لن يختلف اثنان حول أهمية الموقع الاستراتيجي للكويت والذي جعلها نقطة اتصال برية وبحرية بين أجزاء العالم القديم، بالإضافة إلى موقعها المهم على خريطة الممرات المائية والبرية المؤدية إلى المراكز التجارية، فقد كانت مركزاً للقوافل القادمة من بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين إلى شرق الجزيرة العربية وداخلها، إلى جانب دورها المهم كحلقة وصل تجارية بين الدول المطلة على المحيط الهندي وبلاد الشام وأوروبا، حيث كانت نقطة التقاء واحدة من أطول وأهم طرق التجارة في العالم القديم.
قلت ذلك ضمن مشاركاتي المتعددة في حوارات ومحاضرات حول تاريخ الكويت والسياسة الخارجية، سواء أثناء عملي في مركز الخليج للدراسات بجامعة الكويت أو بتلفزيون الكويت، الذي استضافني مؤخراً للحديث عن موضوع الصداقة والأمن والعلاقات الكويتية - البريطانية، حيث استطعت من خلال حديثي إلقاء الضوء على القيمة الاستراتيجية خلال الأعوام قبل وبعد 1899 في عهد مبارك الكبير، ومنها الموقع الجغرافي وما ذكره المدونون من الرحالة حول محبة الشعب للحاكم، الأمر الذي أضاف بند الاستقرار الداخلي إلى الميزة الاستراتيجية. أضف إلى ذلك القرار الصائب للشيخ مبارك الكبير - رحمه الله - في اختيار الحليف بريطانيا العظمى آنذاك، وكأن لديه الحدس بأن بريطانيا مع الفريق المنتصر في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وعودة إلى التميز في الحركة البحرية، يعرب فاليارس مؤلف كتاب أبناء السندباد عن إعجابه بالتميز البحري للكويت، ويشبهها بالورشة البحرية الضخمة لصناعة السفن، ويصف البحارة الكويتيين على متن السفينة بالاعتياد على حياة الخشونة والتسابق في الإنجاز دون تذمر أو شكوى... خلاصة الأمر لا شك في أن نمط قيادة الشيخ مبارك الكبير وفراسته تجاه الأحداث العالمية قد ساهما في اختيار الطريق الآمن للمسار الكويتي دولياً، وهو درس يجب استيعابه، إضافة إلى أن تحمل أهل الكويت قسوة العيش في سبيل اكتساب قوت الحياة درس أيضاً.. وفي الحياة عبرة، وللحديث بقية.