في الجزء السابق من هذا المقال، ركزت على أهمية متابعة ومراقبة أنشطة وفعاليات جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، وإعادة النظر في دورها، فلا يصح ولا يجوز أن تستمر بعض الجمعيات والمؤسسات المدنية الخاملة أو تلك التي تنخر في كيان المجتمع ومؤسسات الدولة وتعوق التنمية البشرية والاقتصادية والمجتمعية.
وفي مداخلة قيّمة لأحد المتابعين الأفاضل، ذكر أن مراقبة أنشطة جمعيات المجتمع المدني تتطلب خطة شاملة تتضمن عدة خطوات عملية منها:
1. إنشاء إطار قانوني واضح، يتم فيه تحديد ووضع قوانين واضحة تنظم عمل الجمعيات وتحدد مسؤولياتها، ووضع وتحديد معايير لقياس الأداء والشفافية.
2. تفعيل الجهات الرقابية، من خلال تعيين لجان مراقبة مستقلة تتولى مراقبة أنشطة الجمعيات، وتوظيف والاستعانة بمختصين وبخبراء في مجالات التنمية والمجتمع المدني لمراجعة أنشطة الجمعية ومهامها.
3- زيادة الشفافية: من خلال إلزامية وفرض تقديم تقارير دورية عن الأنشطة ومصادر التمويل، ونشر المعلومات من خلال إنشاء منصات إلكترونية لنشر الأنشطة والمصادر المالية لهذه الجمعيات.
4. تشجيع المشاركة المجتمعية، من خلال إجراء استطلاعات لرأي المواطنين حول أداء الجمعيات وتفعيل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لمعرفة ردود أفعال المواطنين والمستفيدين من خدمات هذه الجمعيات وأنشطتها.
5. التدريب وتوعية القائمين على الجمعيات، من خلال تقديم دورات تدريب وورش عمل لتعليم مبادئ الشفافية والمساءلة، ونشر الوعي المجتمعي بشأن حقوق المواطن في مراقبة الأنشطة المدنية.
6. التعاون مع المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحوث والدراسات ومراكز استطلاع الرأي لإجراء دراسات حول تأثير هذه الجمعيات، واستخدام المعلومات والبيانات لتحليل فعالية أنشطة هذه الجمعيات وتأثيرها على المجتمع.
7. وضع وتطوير نظام تقييم دوري للأداء، لقياس أثر الأنشطة على التنمية من خلال مراجعة وإعادة تقييم السياسات بناءً على نتائج التقييم.
8. تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص واستثمار المسؤولية الاجتماعية لتشجيع الشركات على دعم الجمعيات ذات الأداء المتميز.
وباتباع هذه الخطوات، يمكن تعزيز قدرة المجتمع على مراقبة أنشطة الجمعيات وتحقيق التنمية المستدامة.
كما ذكر المتابع الفاضل في مداخلته القيّمة أن مراقبة أنشطة الجمعيات تواجه العديد من المعوقات والتحديات، منها:
1. نقص الشفافية، بسبب عدم توافر معلومات دقيقة حول الأنشطة ومصادر التمويل، وإخفاء بعض الجمعيات لمصادر تمويلها وأهدافها الحقيقية.
2. التعقيدات القانونية، وذلك لوجود قوانين غير واضحة أو متداخلة أو متناقضة بشأن عمل الجمعيات، إضافة إلى صعوبة فرض القوانين بسبب النفوذ السياسي أو الاجتماعي.
3. قلة الموارد المالية والبشرية للجهات الرقابية، وعدم التأهيل لكوادرها المالية والفنية، إضافة الى ضعف الميزانية المخصصة للجهات الرقابية الرسمية.
4. مقاومة ومعارضة بعض الجمعيات لمراقبة أنشطتها وأعمالها، معتبرة ذلك تدخلاً في شؤونها، علاوة على خوفها من فقدان الدعم أو التمويل بسبب الشفافية الزائدة.
5. الافتقار إلى الكفاءة ونقص الخبرات والتدريب لدى القائمين على المراقبة، وعدم وجود معايير واضحة لتقييم الأداء.
6. تنوّع الأنشطة التي تقوم بها الجمعيات يجعل من الصعب تقييمها بشكل شامل، لتداخل الأنشطة بين الجمعيات المختلفة، وبالتالي صعوبة إجراء المراقبة بشكل شامل ومتكامل.
7. وجود ضغوط اجتماعية وسياسية، والانشغال بمشكلات آنية وتغيّر أولويات المجتمع والدولة قد تؤثر على عمل واستقلالية وأنشطة الجمعيات وقدرتها على التكيف.
9. سوء إدارة بعض الجمعيات وعدم التطور واستثمار التكنولوجيا بشكل فعّال يزيد من التحديات التي تواجهها مؤسسات المجتمع المدني.
ولمواجهة هذه التحديات يتطلب الأمر وضع استراتيجيات مدروسة والتعاون بين الجهات المختلفة لتحقيق الشفافية والمساءلة.
أتمنى أن يسهم هذا المقال في زيادة فعالية الجهات الرقابية الحكومية، ويزيد من كفاءة وفعالية جمعيات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني.
ودمتم سالمين.