رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخضوع لضغوط داخلية وخارجية متزايدة لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة يتيح الإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، متعهداً بمواصلة القتال لتحقيق أهداف الحرب التي تقترب من إتمام شهرها الحادي عشر، ووجّه انتقادات للحكومة البريطانية العمالية لقرارها تعليق بعض تراخيص تصدير الأسلحة لإسرائيل، واصفاً قرارها بأنه خطوة مخزية.

وكتب رئيس الائتلاف اليميني المتشدد على موقع «إكس» أمس: «هذا القرار المخزي لن يغيّر من تصميم إسرائيل على هزيمة «حماس»، المنظمة الإرهابية التي قتلت بوحشية 1200 شخص في 7 أكتوبر الماضي، بما في ذلك 14 مواطناً بريطانياً».

Ad

وقال نتنياهو: «بدلاً من الوقوف مع إسرائيل، الديموقراطية الرفيقة التي تدافع عن نفسها ضد البربرية، فإن القرار البريطاني المضلل لن يؤدي إلا إلى تشجيع حماس».

وزعم أن إسرائيل تخوض «حرباً عادلة بوسائل عادلة، وتتخذ تدابير غير مسبوقة لإبعاد المدنيين عن الأذى، وتلتزم تماماً بالقانون الدولي».

وقارن رئيس الوزراء بين قتال إسرائيل ضد الحركة الفلسطينية ومعركة بريطانيا ضد النازيين في الحرب العالمية الثانية. واختتم نتنياهو كلامه قائلاً: «بوجود الأسلحة البريطانية أو من دونها، فإن إسرائيل ستنتصر في هذه الحرب وتضمن مستقبلنا المشترك».

خطاب واحد

جاء ذلك عقب ساعات من خطاب متشدد بشأن احتمال إبرام صفقة لتحرير بقية الأسرى لدى «حماس»، ألقاه ليل الاثنين ـ الثلاثاء، وتسبب في غضب بإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

وأفادت شبكة «سي إن إن» بأن مصدراً أميركياً مطلعاً على المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و»حماس» انتقد خطاب نتنياهو، بعد أن أعلن بقاء إسرائيل على محور فيلادلفيا الفاصل بين غزة وسيناء المصرية.

وقال المصدر إن «نتنياهو أفسد الصفقة برمّتها في خطاب واحد».

كما أفاد التقرير الأميركي بأن مصادر مطلعة على المفاوضات تقول إن «إصرار نتنياهو على البقاء في «فيلادلفيا» يمثّل تغييراً في موقف إسرائيل. وعندما أعلن بايدن الخطوط العريضة للصفقة في 31 مايو، والذي وافقت عليه إسرائيل وفق قوله، كان يتصور انسحاب الجيش الإسرائيلي شرقاً من المناطق المأهولة بالسكان. وفي خطابه الذي تضمّن رسائل للداخل والخارج، وجّه نتنياهو انتقادات للمؤسسة الأمنية ووزير الدفاع يوآف غالانت، مشيراً إلى «أولئك الذين يعدون أنفسهم خبراء في الأمن ويتحدثون بصلف عن أن محور فيلادلفيا ليس ضرورة أمنية»، وذكر أولئك الذين قالوا إن الانسحاب من لبنان سيحقق الأمن لشمال إسرائيل جاءهم هجوم «حزب الله» عام 2006 ليثبت خطأهم، وأن الذين قالوا إن الانسحاب من غزة سيأتي بالأمن وجدوا أنفسهم الآن أمام «كارثة 7 أكتوبر».

وبعد أن اتهمه بأنه «لا يفعل ما يكفي» من أجل التوصل إلى اتفاق، رد نتنياهو بالقول إنه لم يسمع بايدن، لكنه سمع جيداً عدداً كبيراً من المسؤولين الأميركيين الذين أشادوا به على ما أبداه من مواقف إيجابية في المفاوضات. واقتبس أقوال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ونائب مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ديفيد كوهين، الذين امتدحوا نتنياهو على مواقفه «الإيجابية».

ولا يستبعد كثير من الإسرائيليين أن يكون نتنياهو استهدف بخطابه إجهاض مقترح بايدن، على طريقة «الحرب الاستباقية».

ويبدو أنه يحاول أن يضع بايدن في زاوية، فإذا أراد أن يطرح خطة جسر للهوّة بين الطرفين، ويريد تأييد نتنياهو لها، فيجب أن تكون لمصلحة إسرائيل، وتتضمن استجابة لشروطه في بقاء القوات الإسرائيلية بمحور فيلادلفيا، فإذا أصرت «حماس» على موقفها برفض المقترح فسوف تكون هي المتهمة بإفشال المفاوضات. وإذا فشلت المفاوضات، وبدا بايدن ضعيفاً وغير قادر على التأثير على إسرائيل، فإن نتنياهو يسجّل لنفسه نقاطاً بيضاء في سجلات الحزب الجمهوري الأميركي، ويكسب بذلك وُدّ مرشحه للرئاسة دونالد ترامب.

وفي وقت يواصل الوسطاء، واشنطن والقاهرة والدوحة، جهودهم من أجل إنقاذ فرصة الصفقة التي تحتضر، اتهمت «الخارجية» المصرية رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه «حاول الزج» باسم مصر في تصريحاته، لـ «تشتيت الرأي العام الإسرائيلي وعرقلة التوصل إلى صفقة وعرقلة جهود الوساطة». وأعربت «الخارجية» المصرية، في بيان، عن «رفضها التام» لتصريحات نتنياهو، وأكدت رفضها لـ «كل المزاعم التي يتم تناولها من جانب المسؤولين الإسرائيليين في هذا الشأن»، في إشارة إلى تحميله القاهرة مسؤولية «تسليح حماس عبر أنفاق سيناء».

وحمّلت القاهرة الحكومة الإسرائيلية عواقب إطلاق مثل تلك التصريحات التي تزيد من تأزيم الموقف، وتستهدف تبرير السياسات العدوانية والتحريضية، والتي تؤدي إلي مزيد من التصعيد في المنطقة.

وأكدت مصر حرصها على مواصلة القيام بدورها التاريخي بقيادة عملية السلام في المنطقة، بما يؤدي إلى الحفاظ علي السلم والأمن الإقليميين، ويحقق استقرار المنطقة. وقال نتنياهو، أمس، في تصريح إن «محور الشر الإيراني يريد محور فيلادلفيا، لذلك سأحتفظ به».

كما عرض خريطة تظهر أن أراضي الضفة الغربية هي جزء من إسرائيل، مما استدعى رداً من «الخارجية» الفلسطينية.

جبهة ثانية

إلى ذلك، حذّر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش من أن ميزانية بلده لعام 2025 ستشهد زيادة في العجز المالي، في ظل خوض تل أبيب «أطول الحروب وأكثرها تكلفة».

وعرض سموتريتش خطته المالية، وقدّر فيها تكلفة الحرب بأكثر من 68 مليار دولار.

فيما أفادت أوساط عبرية بأن سلطات الاحتلال باتت تصنّف الضفة الغربية «منطقة قتال، والجبهة الثانية الأكثر أهمية مباشرة بعد قطاع غزة»، المعزول والمحاصر.

وأفادت بأن «الأحداث الأخيرة أدت إلى تحوّل سياسي كبير في نهج إسرائيل تجاه الضفة التي تشهد عملية عسكرية واسعة منذ 7 أيام، فبعدما تم تصنيفها منذ بداية الحرب باعتبارها ساحة ثانوية، فإن الهجمات الأخيرة أقنعت كبار المسؤولين بأن هذا الموقف لم يعد قابلاً للاستمرار».

وبينما أطلق مجلس «يشع» الاستيطاني بالضفة دعوات للخروج للتظاهر احتفالاً ودعماً، بعد أن أعلن الجيش الضفة «منطقة قتال وحرب»، أكد مصدر أمني إسرائيلي أن «الإيرانيين يُدخلون الأموال والسلاح للضفة الغربية».

وقال المصدر إنه «في الأشهر الأخيرة رصدنا ارتفاعاً في الجهود الإيرانية لتحويل الضفة إلى ساحة قتال حقيقية». وتابع: «الإيرانيون يزودون التنظيمات الفلسطينية التقليدية، لكن أيضاً أي خلايا أو تنظيمات جديدة. نحن نرى أن جهودهم منصبّة على إدخال أسلحة مضادة للمدرعات والسلاح الخفيف والمواد المتفجرة».

وادعى أن «السلطة الفلسطينية تتخوف مثلنا من سيناريو 7 أكتوبر في الضفة الغربية، أو بقيام حماس بانقلاب عليها كما سبق أن فعلت في غزة».

ووسط انتقادات داخلية وخارجية، اعتبر زعيم المعارضة يائير لابيد أن كل ما يهم نتنياهو هو «عدم انهيار حكومته»، بينما رأت وزارة الخارجية الفلسطينية أن «استخدام رئيس الوزراء الإسرائيلي خريطة تضم الضفة للاحتلال يكشف حقيقة أجندات حكومته»، مطالبة بـ «تحرّك دولي عاجل لحماية حل الدولتين».

إشادة بقرار لندن

وفيما أكد وزير الدفاع البريطاني، جون هيلي، أن بلاده «ملتزمة بأمن إسرائيل»، رغم تعليق التسلح الجزئي، أشادت قطر بالخطوة البريطانية، معتبرة أنها تساعد جهود وقف الحرب، في وقت وصف وزير الخارجية الأردني حظر التسلح البريطاني بالصائب، ودعا جميع الدول إلى «فرض حظر كامل على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل».

على الصعيد الميداني، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل 8 من عناصر «حماس» بغزة، وزعم أن من بينهم قائداً ميدانياً بارزاً قاد هجومها على مستوطنة نتيف هاسارا.

من جهتها، أعلنت السلطات الصحة ارتفاع حصيلة قتلى القطاع إلى 40 ألفاً و819 فلسطينياً، في اليوم الـ 333 منذ بدء الحرب. وفي الضفة، فجّر جيش الإسرائيل منازل وسط مخيم جنين، وجرت اشتباكات عنيفة في طولكرم، وسط تقارير عن سقوط طفل فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام الله.