في خضم موجة تحركات عسكرية وسياسية عكست عزم مصر وتركيا على إعادة رسم تحالفاتهما خصوصاً في إفريقيا، يقوم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اليوم بزيارة رسمية غير مسبوقة إلى أنقرة يناقش خلالها مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان تعزيز العلاقات والتقارب الدبلوماسي والروابط التجارية والتطورات الجارية في المنطقة والعديد من الملفات الساخنة خصوصاً العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والخطوات الواجب اتخاذها بهذا الشأن، وقضايا إقليمية أخرى، مثل سورية واليمن وليبيا والسودان والصومال.
ومن المقرر أن يستقبل الرئيس التركي نظيره المصري في قصر بيشتيبي بأنقرة، على أن يترأس الزعيمان الاجتماع الرفيع المستوى لمجلس التعاون الاستراتيجي وحضور مراسم توقيع نحو 20 اتفاقية في مجالات الدفاع والطاقة والسياحة والصحة والتعليم والثقافة.
ويهدف البلدان بهذه الاتفاقيات إلى زيادة حجم التجارة بينهما البالغ 10 مليارات دولار إلى 15 مليارا في الخطة الأولى، ومن المنتظر أن تسهم الزيارة في زيادة استثمارات تركيا بمصر والتي تتجاوز 3 مليارات دولار.
كما يتضمن جدول الأعمال تنفيذ مشروعات مشتركة في الصناعات الدفاعية مع مصر، التي قامت باستثمارات كبيرة بهذا القطاع.
ومن المخطط تطوير التعاون في مجال الطاقة الذي يوفر فرصا مختلفة للبلدين، لا سيما في مجالات الغاز الطبيعي المسال والطاقة النووية والمتجددة.
وتعد زيارة السيسي الأولى إلى تركيا لبنة أساسية ثانية لتدعيم العلاقات تضاف إلى زيارة تاريخية لأردوغان إلى مصر في فبراير الماضي في مشهد متسارع لقفزات من التوافق والتقارب والتعاون لتعزيز الروابط الثنائية.
وتأتي هاتان الزيارتان بعد قطيعة تجاوزت عقدا من الزمان بقيت خلالها العلاقات الدبلوماسية على مستوى القائم بالأعمال فقط فيما لم تتأثر التجارة البينية بين البلدين بتلك القطيعة.
وقال رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركية مصطفى دنيزار إن العلاقات مع مصر عادت إلى طبيعتها منذ نحو عام، ومساره الإيجابي منح الثقة لعالم الأعمال لدى الجانبين.
ملفات ساخنة
ومع تناول قمة السيسي وإردوغان الملفات الإقليمية الساخنة خصوصاً في إفريقيا، تتجه الأنظار إلى تركيا للوساطة بين مصر وإثيوبيا لحلحة الخلاف الكبير حول سد النهضة على نهر النيل وانسحاب الأزمة المستعصية على الحل إلى مشكلات أخرى مع دول الجوار وأبرزها الصومال، الذي تحتفظ فيه تركيا بوجود عسكري لافت وتبعتها مصر بإرسال قوات ومعدات أغضبت حكومة أبي أحمد.
وفي أحدث مسعى لإصلاح العلاقات الدبلوماسية المتوترة منذ اتفاق إثيوبيا على استئجار شريط ساحلي بطول 20 كيلومتراً لأغراض تجارية وعسكرية مع سلطات صوماليلاند غير المعترف بها، تستضيف تركيا خلال أيام جولة جديدة من المحادثات بين وفدي مقديشو وأديس أبابا.
واجتمع وزيرا الخارجية الصومالي والإثيوبي في أنقرة الشهر الماضي، بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدا لمناقشة الخلاف، واتفقا على عقد جولة أخرى من المحادثات.
وبدأت جهود الوساطة التركية بعد توجه رئيس الوزراء الإثيوبي إلى تركيا في مايو وطلبه من أردوغان التوسط مع الصومال لحل أزمة ميناء بربرة على البحر الأحمر.
وفي ظل تفاعل الأزمة، أرسلت مصر قوات ومعدات عسكرية إلى الصومال، وتبادلت اللقاءات على أعلى المستويات في تحركات أقلقت إثيوبيا ودفعتها لنقل قواعد عسكرية للحدود.
في هذه الأثناء، استقبل وزير الدفاع التركي يشار غولر أمس الأول نظيره الصومالي عبدالقادر محمد نور، في أنقرة بحضور وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار.
وخلال زيارته السابقة لأنقرة، وقع وزير الدفاع الصومالي مع نظيره التركي في 8 فبراير 2024 اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي تتضمن إرسال عناصر من القوات المسلحة التركية إلى الصومال لمدة عامين من أجل دعم أنشطة ضمان الأمن ومكافحة الإرهاب والتهديدات الأخرى.
وبموجب الاتفاقية، تعتزم تركيا التي تسعى إلى بسط نفوذها في أفريقيا وتعزيز أمن الطاقة، سفينة الأبحاث «أوروتش ريس» لاستكشاف مناطق النفط البحرية التابعة للصومال الشهر الجاري. يذكر أن تركيا لديها قاعدة عسكرية كبيرة بجنوب مقديشو افتتحتها في سبتمبر 2017.
وتعد القاعدة، التي تضم ثلاث مدارس عسكرية بجانب منشآت أخرى، أكبر منشأة للتدريب العسكري خارج تركيا. وتقع القاعدة على ساحل المحيط الهندي، وتعمل بطاقة تدريب تصل إلى 1500 جندي صومالي.
وأكد الخبير الاستراتيجي سمير فرج أن القاهرة ليس لديها نية لإنشاء قاعدة بالصومال، مشيرًا إلى أن حضورها العسكري خلال الفترة المقبلة يهدف الى رفع كفاءة الجيش للتصدي للجماعات الإرهابية.
وقال فرج، لقناة «صدى البلد»، إن «الحضور العسكري المصري جاء بطلب من الصومال تحت مظلة قوات الاتحاد الإفريقي للحفاظ على وحدتها ومنع أي تهديدات للملاحة في البحر الأحمر، وليس موجهًا ضد أي دولة.
وأضاف: دورنا العسكري بمثابة خبراء وتمويل بعض الأسلحة والذخيرة لمساعدة الجيش الصومالي، لافتًا إلى أن «هناك مجموعة من الانفصاليين استولوا على منطقة وأطلقوا عليها اسم صوماليلاند، وتمت إقامة قاعدة عسكرية إثيوبية هناك لمحاولة التدخل في الشأن الصومالي وتهديد أمن المنطقة».