جدلية المقاومة والسلام... هل هي خيار؟
متى تختفي الأصوات المنظرة! أو ربما الحالمة! وربما المخذلة! وربما المتآمرة! وربما المدسوسة المستعمرة؟!
أينما تكن ضمن تلك الأصوات! من أقصى أطراف حسن النوايا لأقصى زوايا سوء النوايا! فلتعلم أن السلام مجرَّد وَهَم ومخطط استهدف التخذيل والاستسلام، كسباً للواقع والزمن، وتبديداً لخيار المقاومة، والقضاء على أفكارها، وتفكيك مساعيها وتعبئتها! وها هو خيار السلام قد بلغ نهاياته وفشل! لأنه يسير باتجاه عكسي تماماً، قسري دموي متوحش غير منطقي، خلافاً للواقع وحقائقه، ومناقضاً للتاريخ وثوابته، فلا يمكن أن يحل سلام على حالة لإنهاء وطن وشعبه هكذا، ليسلم للقطاء يقيمون عليه وطنهم! ففلسطين لم ولن تكون وطناً بلا شعب، كما يدَّعون! ولقطاء الكيان المحتل لم ولن يكونوا شعباً بديلاً لوطن ليس بوطنهم!
وفي ضوء تلك المقدمة نتطرَّق إلى جدلية المقاومة والسلام... هل هي أساساً خيار قائم أو ممكن؟! وما هي الحقيقة والواقع في هذه الجدلية؟!
جدلية أثبت التاريخ والوقائع والأحداث عدم صحتها وعدم إمكانية تحققها! فالعصابات الصهيونية المحتلة تتعامل بمنطق القوة، ومن فوقية ونرجسية أتتهم من الإسناد المباشر من أميركا والدول الأوروبية، خصوصاً بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، لِم لا وهذا الكيان هو لقيط أرحامهم، الذي يعيش بحالة توحش مرعب ومخيف، حينما كان بأوروبا، فكان لا بد من نفي هذا اللقيط خارج أوروبا، فكانت فكرة الوطن القومي في فلسطين هي المخرج، فزرع هذا الكيان اللقيط بمكوناته من العصابات في فلسطين، ليكون وقوداً للشر والدمار والحروب بسلوكه المتوحش!
ومنذ 1979 واتفاق كامب ديفيد مع هذا الكيان، ومروراً باتفاق وادي عربة، ووصولاً إلى اتفاق أوسلو، وهذا الكيان يتمادى يوماً بعد يوم في تكريس وجوده بفلسطين والتوسع في بناء المستوطنات!
فلم يستجب، ولم يقبل بأي قرار أممي، رغم كثرتها وصراحتها على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. بل إنه يزداد يوماً بعد يوم في سلوكه الوحشي والمدمر، فهو يشن قتلاً وتشريداً وهدماً للفلسطينيين وبيوتهم كل يوم، ويذبح فيهم ذبح النعاج والدجاج بشكل وحشي، وبدم بارد، بل أقام دولة فصل عنصري حوَّل من خلالها الفلسطينيين إلى أمثال العبيد الذين يخضعون لسُخرة كاملة، فهو لم يتوقف عند حد منع قدرتهم على الانتقال أو تعريضهم للتوقيف والاعتقال! ولم يكتفِ ببناء المستوطنات، بل يهدم البيوت، ومستمر في تشريد السكان الأصليين، وممارسة صنوف القهر والذل والسُّخرة، فضلاً عن القتل والاعتقال اليومي في القدس والضفة وغزة، وقد حاصر غزة 17 عاماً، وكاد يمنع عنها الهواء!
فالفلسطيني يشعر بأنه ميت ميت، وهو في بيته أو بمدرسته أو بالسوق أو بالطريق أو بالحي، فكل يوم هناك من يُقتل أو يُصاب أو يُعتقل أو يُهدم بيته أو يُحرم من حقوقه الآدمية، حتى استوت حالة الحياة والموت لدى الفلسطيني.
وأمام هذا السلوك الوحشي الذي تنكَّر لقرارات أممية ومعاهدات سلام وهمية وراهنة، واتفاق أوسلو، وأمام التفنن في قتل الفلسطينيين، سقطت كل خيارات السلام، أو قُل الاستسلام، ومن رحم تلك المعاناة التي استمرت 78 عاماً، كانت المقاومة هي الخيار والمخرج، وهي مسلك تحرير فلسطين وإعادة العزة لشعبها، وهو ما كانت تحاول أن تسلكه الفصائل الفلسطينية المقاوِمة، رغم تآمر السُّلطة وتخذيل العرب، ورفع الجميع راية السلام، أو قُل الاستسلام.
إن حدث 7 أكتوبر هو عمل مشروع في مقاومة المحتل وحرب التحرير المقررة والمشروعة في القانون الدولي والشريعة أيضاً، فصارت المقاومة هي الطريق والاتجاه الجبري الذي لا خيار آخر معه، ومن رحم كل تلك الحقائق والوقائع وُلدت المقاومة وأحداث 7 أكتوبر وكل ما تقوم به المقاومة في غزة، ومن يلومهم على دمار أو قتل يعانونه أو الحالة المأساوية التي تعيشها غزة اليوم فإنه يغمض عينيه ويعمي بصيرته عن إبصار الحقيقة، فالمقاومة هي الخيار الوحيد المُتاح، وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها الكيان المحتل بعصاباته المتوحشة.