فرض توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة والتحقيق معه إيقاعه على اليوميات السياسية في لبنان، فالمعطيات القضائية المتوفرة حتى الآن تشير إلى أن التحقيق سيُستكمل مع ترجيحات بإصدار مذكرة توقيف بحق الرجل، وسط تضارب في القراءات والروايات، بين من يعتبر أن التوقيف جاء استجابة لضغوط دولية تجنباً لتصنيف لبنان على اللائحة الرمادية ومنع قطع التعامل مع المصارف المراسلة، وبالتالي كان لا بد من دفع ثمن فكان توقيف سلامة إشارة إلى بدء مسار جدي من التحقيقات، وبين من يعتبر أن ما جرى هو محاولة لحماية سلامة من تحقيقات دولية، وبالتالي تبقى محاكمته في لبنان أضمن من محاكمته في الخارج.

وبانتظار المسار القضائي، يشير التوقيف إلى تحول سياسي داخلي كبير يفتح الباب أمام إعادة الحديث والنقاش في مسألة كيفية توصيف وتصنيف الأزمة المالية والاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ «الانهيار الكبير»، إضافة إلى إعادة تحديد المسؤوليات وتحميل الخسائر لجسر الهوة المالية الكبيرة، وصولاً إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وهذا يعني الدخول في ورشة سياسية كبرى لها ترابطها داخل لبنان وخارجه، لا سيما أن أي إصلاح مالي واقتصادي ومصرفي لابد له أن يقترن بإصلاح سياسي يبدأ من إعادة إنتاج تسوية سياسية شاملة تحظى بتوافق داخلي وخارجي تعيد تشكيل السلطة وفق برنامج واضح.

Ad

وكان سلامة مطلوباً بمذكرات توقيف دولية عديدة، وكانت فرنسا أكثر دولة تحمّست لمحاكمته، قبل أن يدخل الأميركيون على الخطّ بوضعه على لائحة العقوبات بعد تقاعده من منصبه. حالياً تأتي خطوة محاكمته في ظل استئناف الحراك الدبلوماسي الدولي حول الملف اللبناني وعلى وقع إعادة تجديد البحث والسعي والضغط في سبيل انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تشكيل السلطة، لا سيما أن الملفات اللبنانية كلها مفتوحة ومطروحة على طاولة التفاوض الإقليمي - الدولي، من ملف التطورات العسكرية في الجنوب، إلى الفراغ السياسي القائم والمستفحل والذي يؤدي إلى المزيد من التحلل، وصولاً إلى ملف التحقيقات في الانهيار المالي وآخرها مع سلامة.

ما جرى يضع كل هذه الملفات ضمن سلّة واحدة تحتاج إلى تفاهمات كثيرة ما بين الداخل والخارج، وهو ما تسعى دول عدة للعمل على تحقيقه. ويبرز في هذا السياق التحرك الدبلوماسي من جانب الدول الخمس المعنية بلبنان، أي الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، وسط تحضيرات لإطلاق تحرك جديد منتصف الشهر الجاري لسفراء هذه الدول سيتم التحضير له اليوم الخميس في اجتماع تستضيفه السعودية بين المبعوث الفرنسي الخاص بلبنان جان إيف لودريان والمستشار في رئاسة الوزراء السعودية نزار العلولا المكلف إدارة الملف اللبناني.

الاجتماع يعقد بناء على طلب الفرنسيين الذين يعتبرون أن الظروف مؤاتية لإعادة تفعيل التحركات الدولية والدبلوماسية لإرساء معالم تسوية سياسية داخل لبنان يكون لها انعكاسها على خفض التصعيد في الجنوب ومنع توسع الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل.

ورغم كل هذه التحركات لا تزال النتائج غير مضمونة، لا على صعيد التحقيقات القضائية مع سلامة، ولا على صعيد التفاهمات الإقليمية والدولية على إنجاز تسوية سياسية في لبنان، ولا على صعيد القوى الداخلية التي لا تزال منقسمة فيما بينها حول آلية انتخاب الرئيس والمشاركة في حوار للاتفاق عليه، كما أن ملف الجنوب لا يزال مفتوحاً على احتمالات متعددة طالما أن وقف إطلاق النار في غزة لم يتحقق، وطالما أن جبهة المساندة لا تزال فعالة وإن بوتيرة منخفضة.