انسف عقلك القديم واستبدله بعقل ثانٍ «رقمي»... هذه هي الفكرة المحورية التي يدور حولها كتاب «بناء العقل الثاني» للمؤلف الأميركي تياغو فورتي، الصادر حديثاً بترجمة جديدة للشاعرة حنان شافعي عن دار صفصافة للنشر والتوزيع بالقاهرة.

يتناول الكتاب كيفية التعامل مع التدفق الهائل للمعلومات والمحتوى الرقمي وغزارة البيانات والأفكار، سواء على المواقع الإلكترونية أو منصات التواصل الاجتماعي وغيرها، مؤكداً أن العقل البشري لم يعد قادراً على مواكبة هذا التدفق، وبالتالي أصبحنا بحاجة إلى عقل ثانٍ «رقمي» يتعامل مع متطلبات الحياة التي فرضت نفسها على كل تفاصيل حياتنا.

Ad

وينبِّه الكتاب إلى ضرورة إيجاد آليات تساعدنا في تنظيم هذه الحياة الرقمية، واكتساب مهارات أساسية تمكّننا من استثمار ما نراكم يومياً من معلومات، مشيراً إلى تجارب إبداعية تاريخية وحديثة وجدت طريقتها في تنظيم المعلومات والبيانات، مثل تجربة الكاتبة الأميركية أوكتافيا بتلر، وهي الفتاة السوداء اليتيمة التي فازت بجائزة هوغو ونيبولا، أعلى درجات التكريم في مجال كتابة الخيال العلمي، وكذلك المخرج الأميركي صاحب ملحمة «الأب الروحي»، فرنسيس كوبولا، الذي واجه تحدياً كبيراً عند اختياره لإخراج الفيلم، ولم تكن الشركة المنتجة على يقين بأنه سينجح. وهناك أيضاً الفنان العالمي بيكاسو، وكيف أبهر العالم بلوحة «الثور» الشهيرة والمعتمدة على أسلوب التكثيف والإبداع التراكمي في تصميم الأهداف، وهو ما يستند إليه مؤلف «بناء العقل الثاني».

وذكرت المترجمة في تصديرها للكتاب: «إننا نعيش في مجتمع قائم على الخوارزميات والذكاء الاصطناعي والحداثة، وأصبحنا نخوض ألفية جديدة غير واثقين في ذاكرتنا وانتباهنا وقدرتنا على اكتساب المعرفة، بسبب ما نعانيه من تشتت».

وأضافت شافعي: «يعاني الكثيرون صعوبة في التركيز، بسبب الكم الهائل من تدفق المعلومات والتنبيهات على مواقع التواصل والمنصات، رغم أنه من المفترض أن يؤدي ذلك إلى مزيد من المعرفة والرفاهية بسبب وفرة المعلومة».

كما تؤكد ضرورة الانتباه إلى خطورة إدمان الإنترنت، التي تؤثر على جودة حياة العديد من الأشخاص، وتسبِّب مشكلات معقدة عند المراهقين والأطفال.

وحول منهج إدارة المعرفة الرقمية الذي يطرحه الكتاب، قالت شافعي: «تكمن الفائدة في كتاب فورتي أنه يعلمنا كيفية إدارة ثرواتنا الحقيقية، المتمثلة في خبراتنا المعرفية الشخصية، وأفكارنا وشغفنا الإبداعي. بغض النظر عن العُمر ومجال العمل أو الخلفية الثقافية، سيجد القارئ في هذا المنهج وسيلة مفيدة في تنظيم علاقته بمصادر المعرفة والتطبيقات ومنصات التواصل عبر مجموعة من عادات التدوين والتلخيص والأرشفة. كما يوفر آليات عملية للنجاة من طوفان المدخلات الذي يحيطنا من كل اتجاه، وبالتالي تحسين قدرتنا على الإنجاز في حياتنا، وليس الاستهلاك فقط».

يقع الكتاب في حوالي 300 صفحة من القطع المتوسط، ويقدم رؤية ومنهجاً مبتكراً في كيفية تنظيم وإدارة العالم الرقمي، كجزء من فن إدارة المعرفة بشكل عام، حيث نعيش في عصر بات لدينا فيه إمكانية الوصول إلى كل معارف العالم تقريباً، وبدلاً من الشعور بالقوة، غالباً ما نشعر بالإرهاق والتشتت من هذا التدفق المستمر للمعلومات، فالمعرفة ذاتها، التي من المفترض أن تُحرّرنا وتقوينا أدت إلى الاعتقاد المعرقل بأننا لن نعرف أو نتذكر ما يكفي، فلا يوجد وقت أفضل من وقتنا هذا للتعلم والاستفادة من الثورة الرقمية.