قبل 11 سنة طلب مني مهندس مصري أن أساعده في التوظيف، بعد أن رمى به تاجر إقامات في الشارع ليتدبر أمره بنفسه، فطلبت منه سيرته الذاتية، ليتعذر بأنه بعد تخرجه من الجامعة بسنتين التحق بشركة حددت وظيفته بتوزيع نباتات الزينة والزهور على جانبي الطرق التي كان يمر عليها الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، وبعدها بسنوات قدم إلى الكويت بعقد عمل.
حكاية هذا المهندس الذي «تخصص» في تجميل طريق الرئيس هي سلوك عربي، فما إن يعلن ديوان الرئاسة بدول العالم الثالث عن رغبة الرئيس في زيارة مرفق ما، حتى ينقلب محيط ذلك المرفق إلى خلية نحل ليجعلوه أجمل مما كان عليه من قبل.
فعلى طرق تسلكها شخصيات رفيعة المستوى، ينتشر دوماً عمال لتنظيف هذه الطرق، ولغرس الأشجار وتشذيبها، وتوزيع حاويات (إصيصات) الورود على جانبي الطرق، وتثبيت اللوحات الترحيبية للتعبير عن حب أهالي المنطقة لضيوفها، ولكن ما إن يغادر الضيوف حتى يقوم نفس العمال باجتثاث تلك الزهور والأشجار ونباتات الزينة واللوحات الترحيبية، لتعود المنطقة «چلحة.. ملحة» كما كانت. ومنذ أن شُيِّدَ نادي ضباط الشرطة في منطقة أبوالحصانية، والأهالي يتشرفون برؤية حكام الكويت يزورون النادي في الأعياد والمناسبات الوطنية لتلقي تهنئة قيادات وزارة الداخلية، فيشعر السكان بقرب هذه الزيارات الميمونة عندما تبدأ أعمال التنظيف وتزيين الطريق المؤدية إلى النادي بالزهور وأشجار الزينة والأعلام والشعارات الوطنية.
لهذا كنت ومازلت أتساءل: ما الذي يدعو إلى تنظيف وتزيين الطرقات، إذا كان الحاكم والمحكوم في الكويت يعرفان أن الحب والاحترام متبادل بينهما منذ قرون، دون الحاجة إلى هذه البهرجة وتلك المبالغة في الترحيب؟ وكيف يستطيع كبار المسؤولين التعرف على حجم النواقص في المرافق العامة وفي خدمات الدولة في أي منطقة إذا كان هناك من يحاول طمس النواقص وتجميل صورة المنطقة في عيون كبار القوم؟
قبل بضع سنوات رأيت عمال النظافة وهم يقومون بتنظيف الأتربة التي جرفتها الأمطار إلى الطرق المؤدية لمنزل سمو رئيس الوزراء الأسبق الشيخ جابر المبارك الصباح في منطقة المسيلة، وتركوا بقية منطقة المسيلة دون تنظيف. واليوم يتكرر المشهد في الطرق المحيطة بمنزل سمو رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ أحمد النواف في منطقة أبو الحصانية، إذ إنه ودون تدخل مباشر من أي من سكان المنطقة، بادرت وزارة الأشغال بإعادة سفلتة الطرق المحيطة بمنزل سموه، تاركة بقية طرق منطقة أبو الحصانية التالفة منذ أكثر من عشر سنوات دون صيانة.
الغريب أنني قبل أكثر من ثلاث سنوات طلبت من أحد نواب المدير العام ببلدية الكويت مساعدتنا في إيصال أصوات سكان منطقة أبو الحصانية إلى المسؤولين في بلدية الكويت أو وزارة الأشغال العامة أو الهيئة العامة للطرق، من أجل صيانة الطرق في هذه المنطقة بعد أن أتلفت الحفر والحصى المتطاير سياراتنا وبيوتنا، فجاءني الرد بأن هناك دعاوى قضائية في المحاكم مرفوعة من طرفي عقود صيانة الطرق، ولهذا فإنه من الصعب صيانتها بسبب هذه الأوضاع القانونية، فأخبرته أن بإمكان الجهات المعنية «إثبات حالة» بحضور رجال الشرطة والمحامين لإثبات حالة الطرق قبل البدء بأعمال الصيانة، ثم خصم تكاليف أعمال الصيانة من إجمالي الدفعات المتأخرة، إلا أن مثل هذا المقترح رُفِض تطبيقه، بسبب تلك القضايا.
واليوم أتساءل: كيف استطاعت وزارة الأشغال أن تبدأ بأعمال الصيانة في محيط منزل رئيس وزراء سابق، في حين أن في منطقتي المسيلة وأبوالحصانية مواطنين بينهم ثلاثة رؤساء حكومات سابقين يعانون من طرق متهالكة ولا أحد يلتفت إلى هذه المنطقة؟