دُعي أكثر من 24 مليون ناخب جزائري للإدلاء بأصواتهم اليوم، في انتخابات رئاسية ينتظر أن يفوز فيها الرئيس عبدالمجيد تبون بولاية ثانية، ويكمُن رهانها الأكبر في نسبة المشاركة.
وبعد ساعتين من التصويت الذي بدأ في الساعة الثامنة صباحا (السابعة ت. غ) أعلن رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، ان نسبة المشاركة، بلغت 4.56 بالمئة في الساعة العاشرة (التاسعة ت. غ).
ولدى افتتاح مراكز الاقتراع كان المسنّون خاصة من الرجال أول الوافدين، فالنساء والشباب يتأخرون عادة في التصويت.
ويحظى الرئيس المنتهية ولايته عبدالمجيد تبون (78 عاما)، الذي يلقبه البعض في مواقع التواصل بـ «عمي تبون»، بدعم أحزاب الغالبية البرلمانية، وأهمها جبهة التحرير الوطني، (الحزب الواحد سابقا)، والحزب الإسلامي حركة البناء الذي حل مرشحه ثانيا في انتخابات 2019، مما يجعل إعادة انتخابه أكثر تأكيدا.
ولم يشر تبون، في تصريحه عقب التصويت بمركز أحمد عروة بالضاحية الغربية للعاصمة، إلى نسبة المشاركة وضرورة التصويت بقوة كما فعل منافساه.
وقال: «أتمنى أن تجري الأمور بكل ديموقراطية. هذه الانتخابات مفصلية، لأن من يفوز بها عليه مواصلة مسار التنمية الاقتصادية للوصول الى نقطة اللارجوع وبناء الديموقراطية».
وينافس تبون مرشحان هما رئيس حركة مجتمع السلم الإسلامية عبدالعالي شريف (57 عاما)، وهو مهندس أشغال عمومية أدلى بصوته في مكتب بحي تيليملي بالعاصمة.
ودعا شريف، في تصريح لوسائل الإعلام «الشعب الجزائري للتصويت بقوة، لأن ارتفاع نسبة المشاركة من شأنها تثبيت شرعية هذه الانتخابات». وعبّر عن أمله في أن «تكون الانتخابات دون إكراهات، كما عرفنا في السابق»، وقال «اتركوا الحرية للشعب».
والمرشح الثالث هو الصحافي السابق، رئيس جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش (41 عاما)، وهو أقدم حزب معارض في الجزائر يتمركز في منطقة القبائل بوسط شرق البلاد. ووجّه أوشيش كذلك «رسالة إلى الجزائريات والجزائريين الذين لم يصوّتوا للخروج بقوة من أجل المساهمة في صناعة مستقبلكم».
ويبدو الفائز «معروفا مسبقا»، «بالنظر إلى نوعية المرشحين وقلة عددهم غير العادي، وكذا الظروف التي جرت فيها الحملة الانتخابية التي لم تكن سوى مسرحية للإلهاء»، كما علّق أستاذ العلوم السياسية محمد هناد على «فيسبوك».
وكان مقررا إجراء هذه الانتخابات عند انتهاء ولاية تبون في ديسمبر، لكنّه أعلن في مارس تنظيم انتخابات مبكرة.
ويرغب تبون بـ «مشاركة مكثفة، فهذا هو الرهان الأول، إذ لم ينس أنه انتخب عام 2019 بنسبة مشاركة ضعيفة، ويريد أن يكون رئيسا طبيعيا وليس منتخبا بشكل سيئ»، وفق ما أكد مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف، الجزائري حسني عبيدي.
وشهدت الانتخابات التي حملته إلى كرسي الرئاسة قبل 5 أعوام عزوفا قياسيا بلغ 60 بالمئة، إذ كانت تظاهرات «الحراك» العارمة المطالبة بالديموقراطية لا تزال في أوجها، وحصل فيها على 58 بالمئة من الأصوات.
وفي مواجهة شبح عزوف مكثف، بالنظر إلى انعدام رهانات هذا الاقتراع، قام تبون ومؤيدوه وكذلك فعل منافساه، بجولات عدة على امتداد البلاد منذ منتصف أغسطس ليشجعوا على المشاركة القوية.
لكنّ مجريات الحملة الانتخابية لم تحظ سوى باهتمام ضئيل، خصوصا أنها جرت على غير العادة في عز الصيف في ظل حر شديد.
وفي الخارج، بدأ الجزائريون المهاجرون الإدلاء بأصواتهم منذ الاثنين، وعددهم 865490 ناخباً، بحسب الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، وأوضحت سلطة الانتخابات أن نسبة المشاركة بين الجزائريين في الخارج، بلغت حتى العاشرة من صباح السبت 14.5 بالمئة.
وركّز المرشحون الثلاثة خطاباتهم أثناء الحملة الانتخابية على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، متعهدين بالعمل على تحسين القدرة الشرائية وتنويع الاقتصاد ليصبح أقل ارتهانا بالمحروقات التي تشكل 95 بالمئة من موارد البلاد بالعملة الصعبة.
على المستوى الخارجي، ساد الإجماع في مواقف المرشحين الثلاثة إزاء الدفاع عن القضية الفلسطينية، وعن قضية الصحراء الغربية، حيث تدعم الجزائر جبهة البوليساريو الانفصالية في مواجهة المغرب.
ووعد تبون، مستندا إلى حصيلة اجتماعية واقتصادية محسّنة، بزيادات جديدة في الأجور ومعاشات المتقاعدين وتعويضات البطالة وببناء مليونَي مسكن، فضلا عن زيادة الاستثمارات لإيجاد 400 ألف فرصة عمل وجعل الجزائر «ثاني اقتصاد في إفريقيا» بعد جنوب إفريقيا.
وفي ختام حملته الانتخابية بالجزائر العاصمة، تعهّد تبون بإعطاء الشباب «المكانة التي يستحقونها»، علما بأنهم يمثلون نصف سكان البلاد وثلث الناخبين. وقال إنه يريد استكمال تنفيذ مشروع «الجزائر الجديدة»، معتبرا أن ولايته الأولى واجهت عقبة جائحة كوفيد - 19.
في المقابل، تعهّد منافساه بمنح الجزائريين مزيدا من الحريات، وأعلن أوشيش التزامه بـ «الإفراج عن سجناء الرأي من خلال عفو رئاسي، ومراجعة القوانين الجائرة».
أما شريف فدافع عن «الحريات التي تم تقليصها إلى حدّ كبير في السنوات الأخيرة»، بعد تراجع زخم «الحراك» الذي أطاح عام 2019 الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، الذي أمضى 20 عاما في الرئاسة، وتوفي عام 2021. واعتبر حسني عبيدي أن حصيلة تبون تعاني «عجزا في الديموقراطية» يمكن أن يشكّل عائقا خلال ولايته الجديدة.