تناولت في مقالي الأحد الماضي، ما طرحه وزير التربية والتعليم الجديد في مصر على هامش اجتماع اللجنة البرلمانية، لدى مناقشتها لبرنامج عمل الحكومة الجديدة التي شكلت في يوليو الماضي، عن هيكلة التعليم في مصر، وحذف بعض المواد الدراسية في الثانوية العامة واختصار بعضها لإدماجه في بعضها الآخر، ومن هذه المواد الفلسفة والمنطق والجعرافيا والجيولوجيا.
وما قد يزيد في الأيام المقبلة من حذف واختصار من مواد في الثانوية العامة أو المراحل الدراسية الأخرى أو في الجامعات، وقد لاقى الحذف والاختصار استحسانا من أولياء أمور الطلاب أملاً في التخفيف من أعبائهم المالية في الدروس الخصوصية، أمام أعباء المعيشة المتزايدة بسبب التضخم الكبير وارتفاع الأسعار.
القضية الفلسطينية لن تنتهي
ولكن ما استوقفني كثيراً وأفردت له مقال اليوم هو الرؤية التربوية للقضية الفلسطينية لدى وزير التربية والتعليم فيما أعلنه من أن هذه القضية لن تنتهي، والتي قد يكون لوزير الخارجية المصرية في الحكومة الجديدة د.بدر عبدالعاطي رأي مختلف فيها، وهي عبارة يلفها الغموض وعدم الوضوح من كل جانب، خاصة وقد كررها أكثر من مرة في حديثه على هامش اجتماع اللجنة البرلمانية، وهي تصريحات ننقلها بالحرف الواحد، بعد إفراغ فيديو بصوت الوزير حفيد المشير أحمد اسماعيل، أحد أبطال حرب أكتوبر 1973، كما جاءت في الشبكة الاجتماعية لغوغل، حيث يقول الوزير في هذا الفيديو: «دورنا احنا، كتربويين، فيما يخص قضايا وطنا العربي بشكل عام وقضية فلسطين بشكل خاص علشان دي القضية الكبيرة اللي موجودة في الشرق الأوسط بقالها 70 سنة، احنا لازم الولاد عندنا تبقى فاهمة إيه مشكلة فلسطين، فاهمة حدود فلسطين فين، فاهمة إسرائيل جاءت عملت إيه في المنطقة عندنا، فاهمة إن القضية دي لن تنتهي، وأن القضية دي لازم نبقى يعني عارفين وعايشين أن لن تنتهي، قضية فلسطين دي مش حييجي فيه وقت كمان نوايا يونغ في الحدود فلسطين، احنا لازم نبقى عارفين يبقوا فاهمين إن هما إيه هدفهم واحنا لازم الولاد تبقى فاهمة كويس قوي أن القصة دي لن تنتهي قضية فلسطين وأي حد بيفكر في أي حاجة لبلادنا مش حيحصل، يعني أي تفكير أن حد عايز يتوسع، حد عاوز يعمل أي حاجة خارج الإطار ده مش حيحصل، وطول ما احنا عايشين وبنتنفس وفي وطن عربي وفي مصر مش حيحصل حاجة زي كدة، ولن يسمح أن حاجة زي كدة تحصل في يوم من الأيام، فدورنا كتربويين لازم الولاد تبقى فاهمة ده كويس قوي عايشة ده كويس قوي عارفة مين عدوهم ومين عامل أن هو صاحبهم وإيه مؤسسات العالم دي موجودة ليه، كل مؤسسة موجودة إيه الأهداف اللي وراها بتشتغل ازاي وبتعمل إيه وكل حاجة، فاحنا بنحاول ننقل ده بشكل أن هو يوصل للولاد ويبقى مبني جواهم مننساش في أي وقت من الأوقات تمام أن في حاجة اسمها فلسطين في حاجة اسمها عدو موجود عايز إيه في الدول العربية».
هل هي دعوة لغرس الاستسلام للأمر الواقع في بلادنا، وأنه لن يحصل توسع- وفقا لنوايا يونغ- طول ماحنا عايشين، والمؤسسات الدولية موجودة؟
تصريحات يلفها الغموض وعدم الوضوح من كل جانب، وعلى الأخص عبارة قضية فلسطين لن تنتهي، لم نفهم منها ما يقصده الوزير هل معناها أنها ستبقى دون حل الدولتين على الأقل؟ حتى لا ينقاد الطلاب وراء فكر تحرير فلسطين، وفي انتظار تفسير لتصريحات الوزير التي كان ينبغي أن تجري من خلال مفاهيم منضبطة ومتوافق عليها في مجلس الوزراء بوجه عام ومع وزير الخارجية المصري بوجه خاص، وأن يبين لنا تفسيره وتوضيحه لهذه التصريحات التي سيسير على هديها المدرسون في ممارسة دورهم التربوي، إما في غرس روح النضال لدى أولادنا أو روح الاستسلام للواقع المرير الذي نعيشه، وفي هذا السياق نطرح بعض القضايا التي يتداولها الشارع المصري وإعلامه.
القوى الناعمة
كم كنت أتمنى أن يتسابق المنتجون والمخرجون على إنتاج أفلام تجسد بطولات المقاومة الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والوحشية التي يمارسها الاحتلال الاسرائيلي مع أسرى الحرب في سجونه، لتعبئة رأي عام عالمي للوقوف الى جانب إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، الذين قضى بعضهم عقودا من الزمن في سجون إسرائيل، وإنتاج أفلام عن هذه الحرب الشرسة الآن، وليس بعد ذلك.
إن فيلم جميلة بوحريد بطلة المقاومة الجزائرية في حرب تحرير الجزائر في السينما المصرية الذي قامت الفنانة ماجدة فيه بدور جميلة لا يزال في الذاكرة وفي قلوب أجيالنا باعتباره أحد أسلحة القوى الناعمة في هذه الحرب، التي انتهت بانتصار المقاومة الجزائرية وتحرير الجزائر بلد المليون شهيد، بفضل أبنائها البواسل.
لقد أنفق المصريون الملايين على مشاهدة الأفلام الجديدة التي عرضت في دور العرض السينمائي خلال عيد الفطر وعيد الأضحى، ولم يعرض فيلم واحد عن القضية الفلسطينية أو حرب الإبادة الجماعية على غزة أو على أبطال المقاومة الفلسطينيين، وفي يقيني أنه لو عرض فيلم واحد في هذا السياق لحقق أرباحا طائلة تفوق بكثير الملايين التي حققتها الأفلام الهابطة في هذين العيدين.
إن الأدب والفن والمسرح والسينما والمهرجانات الفنية هي القوى الناعمة التي كان ينبغي أن نقف مع أبطال المقاومة في الحرب على غزة، ومع صمود الشعب الفلسطيني فيها، لرفع معنوية شعب غزة الأبي ومساندته في محنته التي دفع حتى الآن فيها أكثر من 41 ألف شهيد، وأضعافهم من الجرحى والمفقودين تحت التراب، إنها القوى الناعمة والحرب النفسية التي تؤثر على معنويات العدو الصهيوني وعلى كسر إرادته في القتال، وتعديل موقفه من هذه الحرب اللعينة، حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.
إن هذه القوى الناعمة لم تستخدم حتى الآن، وهي أقل ما يمكن أن تقدمه الشعوب العربية من دعم ومساندة للشعب الفلسطيني.
فلسطين ومسرح الأقاليم
لقد اعتصرني الألم والحزن على ما وصلنا إليه في هويتنا الثقافية والقومية من قضية فلسطين التي لم يعبأ الفنانون بها في فترة هي أحوج ما تكون ولم يهدئ من روعي وثائرتي سوى مسرح الأقاليم الذي كان كما قالت صحيفة الأهرام في عددها الصادر في 22 يوليو الماضي حائط صد لحماية الشخصية المصرية، وتذكرت عندما كنت مبعوثا لمجلس الدولة في فرنسا، أن الخارجية الفرنسية كانت تنظم رحلات لنا في الأقاليم، لنشاهد فرنسا الحقيقية. (la Belle visage de France).
فقد كانت قضية فلسطين على مدى أسبوعين كاملين في شهر يوليو الماضي تحتل العروض المسرحية لأبناء المحافظات هذا العام، وتحول مسرح السادس المفتتح حديثا وقصر ثقافة روض الفرج الى خلية نحل حقيقية لاستقبال الجمهور لروية العروض المسرحية، وعلى الأخص مسرحية عرض كيبوتس، التي ترصد أكاذيب الصهيونية حول المحارق النازية لليهود «الهولوكوست» لكسب تعاطف العالم وذلك من خلال قصة تدور أحداثها في كيبوتس أنشئ في فلسطين المحتلة سنة 1945 وينقل الصراع بين أفراد الكيبوتس وبين أبناء الشعب الفلسطيني الذي تتواصل أجياله في النضال لاستعادة الأرض. قضية عبر عنها أبطال العرض بصدق وحيوية لافتة وهي المسرحية التي قدمتها غرفة قصر ثقافة الزقازيق تأليف أحمد سمير وإخراج محمود الرفاعي.
ولم يعبأ أبطال الفرقة أو مخرج المسرحية أو مؤلفها، أو منتجها بقانون غايسو فابيوس أو قانون بليفين اللذين صدرا في فرنسا منذ عقود من الزمن تحت ضغط اليهود لتجريم كل عمل ينكر الهولوكوست أو المحرقة اليهودية في عهد الحكم النازي في ألمانيا، وغيرهما من قوانين معاداة السامية في أوروبا وأميركا والتي تطول بالعقاب كل من ينكر هذه المحرقة في أي بقعة في العالم.
إنها الثقافة الجماهيرية المصرية التي بدت في أروع أداء تمثيلا وإخراجا ودراسة وإعدادا مسرحيا تغلب فيها الإيمان على ضعف إمكانات هذه الفرقة لأن فلسطين كما هي في القلب هي في قلب هذا الوطن منذ أكثر من قرن من الزمان، وفيها رحل النبي (ﷺ) من الإسراء الى المعراج.
وقد قدم هذا العرض المسرحي الرائع بالرغم من الطابع السوداوي الذي يشعر به هذا الجيل، كما وصفته صحيفة الأهرام القومية.
وللحديث بقية إن كان في العُمر بقية.