التنمية المستدامة في ظل التحديات الاقتصادية والأزمات العالمية

نشر في 08-09-2024
آخر تحديث 07-09-2024 | 19:00
 د. بلال عقل الصنديد

في ظل الأزمات العسكرية المتلاحقة والتحديات الاقتصادية العالمية تواجه الدول العربية تحديات متزايدة تؤثر بشكل عميق على مسارات التنمية المستدامة، حيث تشكل هذه التحديات أزمة حقيقية تتطلب استجابة فعالة ومتكاملة لضمان تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً مع الارتفاع غير المسبوق في أسعار الطاقة، والتداعيات المستمرة لجائحة كورونا، والتقلبات الحادة في الأسواق المالية العالمية، وتؤثر خطوط الإمداد بالأزمات الأمنية والحروب الكبرى التي تسود العالم في هذه الفترة الضبابية والمقلقة على مستقبل الشعوب وكوكبنا بشكل عام.

في هذا السياق، يشير تقرير البنك الدولي «آفاق الاقتصاد العالمي» لعام 2024، إلى أن الاقتصاد العالمي، والاقتصادات العربية ضمناً، يواجه «أزمة خانقة»، بدءاً من التداعيات المستمرة بسكون وخبث لجائحة كورونا التي أدت إلى تراجع النمو الاقتصادي في العديد من الدول، وصولاً إلى ارتفاع أسعار الطاقة وتذبذب أسعار النفط، والتأثير السلبي لكل ذلك على الميزانيات الحكومية وقدرتها على الاستثمار في مشاريع التنمية المستدامة، وقد أدت هذه الأزمات إلى تعقيد جهود التنمية المستدامة في الدول العربية، مما زاد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، وأدى إلى ظهور تحديات جديدة تتطلب حلولاً مبتكرة وفعالة.

في مواجهة هذه التحديات، يصبح التنوع الاقتصادي أحد الحلول الرئيسة، إذ إن تقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية مثل النفط يمكن أن يعزز قدرة الدول العربية على الصمود أمام التقلبات الاقتصادية العالمية، حيث تعتبر الصناعات غير النفطية مثل التكنولوجيا والابتكار والخدمات محورية في تعزيز التنمية المستدامة، وفي هذا الصدد، يشير تقرير «المستقبل الرقمي في الإمارات» الصادر عن وزارة الاقتصاد الإماراتية في يونيو 2023 إلى أن الاستثمار في القطاعات الثلاثة المشار اليها ساهم ويساهم بشكل كبير في تحقيق نمو اقتصادي مرن ومستدام.

ورغم أهمية الإصلاحات الهيكلية وتلمس الحكومات لضرورة الإسراع فيها، تواجه الدول العربية تحديات كبيرة وعديدة في تنفيذها، فما زالت البيروقراطية مستشرية، وما دام عدم استقرار السياسات مؤثراً بشكل سلبي، وما فتئ الفساد معيقاً رئيساً، ناهيك عن عدم الجدية في تطبيق القوانين وقصورها عن مواكبة المستجدات.

من جانب آخر، يُعد الاستثمار في رأس المال البشري من الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة، حيث يتطلب ذلك تحسين جودة التعليم والتدريب وتوفير الفرص الملائمة واللازمة لانخراط الشباب بكفاءة في سوق العمل، مما يساهم بشكل كبير في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام، وفي هذا الصدد، يشير تقرير متخصص صادر عن منظمة اليونسكو إلى أن تحسين نظام التعليم والتدريب في الدول العربية يمكن أن يعزز من قدرات الشباب ويوفر فرص عمل جديدة، مما يُفضي إلى نمو اقتصادي واضح ومستمر، ويعدّ من الخطوات الجوهرية نحو بناء قاعدة اقتصادية قوية ومستدامة.

وفيما يخص التحديات البيئية، تُعتبر هذه العوامل جزءاً أساسياً من معادلة التنمية المستدامة، حيث يُؤثر التغير المناخي، واستنزاف الموارد الطبيعية، والتلوث بشكل مباشر على قدرة الدول العربية على تحقيق التنمية المستدامة، فمن الملحّ والضروري أن تبادر الدول العربية إلى تنفيذ سياسات بيئية فعالة، تشمل الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتحسين إدارة الموارد الطبيعية، وهذا ما يشير إليه بوضوح تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة الصادر في مايو 2024.

وغني عن البيان أنه لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة في ظل الأزمات العالمية دون تعزيز التعاون بين الدول العربية والدول الأخرى، حيث يُعد التعاون الإقليمي والدولي في مجالات تبادل الخبرات والموارد وفتح الأسواق أمام الاستثمارات الأجنبية من الأسس المهمة لتحقيق التنمية المستدامة، فوفقاً لدراسة أعدها معهد الدراسات الإستراتيجية في سبتمبر 2023 تحت عنوان «التعاون الإقليمي ودوره في التنمية المستدامة»، فإن بناء تحالفات استراتيجية ودعم المشاريع التنموية المشتركة يُعد أمراً ضرورياً لتعزيز الأثر الإيجابي للتعاون الدولي على زيادة فعالية الاستراتيجيات التنموية وقدرة الدول على مواجهة التحديات المختلفة.

في الختام، تتطلب مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية من الدول العربية تبني استراتيجيات فعالة ومتكاملة وسريعة من شأنها تعزيز قدرتها على تحقيق التنمية المستدامة، وذلك من خلال التنوع الاقتصادي، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، والاستثمار في رأس المال البشري، والتعاون الإقليمي والدولي، والاستفادة من التجارب السابقة وتبني استراتيجيات جديدة تركز على الاستدامة والابتكار، مما سيساعد في تحقيق الأهداف التنموية المستقبلية وضمان بناء قاعدة اقتصادية قوية ومستدامة.

****

في السياق نفسه تواجه الكويت تحديات متزايدة في مجال التنمية المستدامة، حيث يتجلى ذلك بوضوح في غياب أو تعثر الخطط الاستراتيجية ذات الصلة، فبينما تصرف الدول المليارات على الاستثمار في الطاقة المتجددة مثلاً، ما زالت الكويت ترتكز بشكل رئيس على إنتاج النفط.

فعلى الرغم من كل النوايا الصادقة والإرادة الواضحة للمضي في مسارات الإصلاح والتطوير، ما زالت الفجوة كبيرة بين مستهدفات التنمية المستدامة والجهود الرامية الى تنفيذ الخطط المعلنة.

وهنا نضيء على أهمية تعزيز الوعي الرسمي والشعبي بأهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في عام 2015 والتي تُعرف أيضاً باسم الأهداف العالمية، باعتبارها دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030.

وذلك بهدف سرعة المضي في تحقيق كل أو أبرز هذه الأهداف من خلال مسار يواكب التطلعات المجتمعية والإصلاحات السياسية والإدارية والقانونية ويسد الفجوات المتزايدة في منظومة القطاع الصناعي والإنتاجي والأمن الغذائي والبنية التحتية بشكل عام.

* كاتب ومستشار قانوني

back to top