يبلغ تعداد المسلمين بالهند نحو مئتي مليون نسمة، كثالث أكبر كثافة مسلمة بعد إندونيسيا وباكستان، ليشكلوا خمس عشرة في المئة من السكان، غير أن ممارسات التمييز الممنهجة ضدهم من العرقيات الأخرى هي الأسوأ من حيث العنف والاعتداء والقتل، ولا يختلف عن ذلك ما تقوم به الدولة بسبب ممارسات الحزب الحاكم لشتّى أنواع التمييز والاضطهاد التي جعلوها قانونية، على سبيل المثال، إجازة بناء المعابد على أنقاض المساجد بعد هدمها، وجعل المسلمين لاجئين بوطنهم وعدم تجنيسهم بدعوى عدم تسجيل مواليدهم رسمياً لكونهم يعيشون في قرى وأرياف نائية.
لقد وصل التطاول على المسلمين ذروته من شخصيات متحدثة وإعلامية بالحزب الحاكم (بهاراتيا جاناتا)، حين أدلى نوبور شارما وكومار جيندال، منذ عامين، بتصريحات مسيئة للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وصفها الأزهر بـ «البذاءة والجهل الفاضح»، والتي أدت إلى اشتباكات بمناطق عدة، وإلى استدعاء سفيرين لدى قطر والكويت، متسببة في أزمة دبلوماسية بين الهند وعدة دول إسلامية.
هذا الاضطهاد والتنكيل للأقليات المسلمة ليسا فقط بالهند، بل هناك مئات الملايين بدول أخرى يتعرّض بعضهم للتعذيب، وفق تقارير منظمة العفو الدولية، كمئات الآلاف من مسلمي شينجيانغ بالصين الذين يزجون في سجون مكتظة بدعوى الإرهاب، لمسخ هوياتهم المسلمة واستجوابهم وتعذيبهم وصعقهم بالكهرباء وأطرافهم مكبّلة بأصفاد وكراسي فولاذية.
مسلمو الروهينغا في ميانمار أيضاً تعرضوا لأشد أنواع التنكيل، كالمذبحة الكبرى لمئة ألف مسلم على يد البوذيين الماغ، وتشريد مئات الآلاف وحرق الممتلكات والاغتصاب برعاية قوات الأمن الحكومية، ليصنف «الروهينغا» أكثر جالية مسلمة مضطهدة بالعالم، يأتي بعدهم مسلمو أوزبكستان وإفريقيا الوسطى وطاجيكستان وتايلند كأكثر الدول اضطهاداً للمسلمين.
ولك أن تتخيل كل هذه الجرائم العلنية برعاية الحكومات والعالم يتفرّج، ويأتي من يتهم المملكة العربية السعودية باضطهاد الأقليات، وهي التي يلجأ إليها طوعاً أكثر من خمس وستين جالية أجنبية لنيل الرزق والعيش في أمان بتعداد يصل إلى ثلاثة عشر مليون نسمة، يشكلون نحو اثنتين وأربعين في المئة من السكان، مما يؤكد عدم صحة اتهام للمملكة لمجرد تصرُّف فردي لمواطن أساء معاملة هندي كراعي غنم في ظل ظروف قاسية جداً، والتي انتهت بقيام الراعي بقتل ذلك المواطن الذي أساء استغلاله طوال تلك السنوات، ثم لتتوالى الأحداث ويتمكن من العودة إلى بلده ويكتب قصته التي تم اقتباسها في رواية اجتزأت كثيراً من الحقائق، ليتم تمثيلها في فيلم بعنوان «حياة الماعز»، الذي قصد ممولوه من الهند وأميركا الإساءة للمملكة ولـ «نظام الكفيل»، الذي استهدفوا فيه ليس المملكة فحسب، بل كل دول الخليج بتصنيفه «عبودية»، في حين يتسابق الوافدون عبر هذا النظام للعمل بالمملكة ودول الخليج طوعاً، بل ويلجأون لكل الأساليب - حتى غير القانونية - للحصول على تأشيرة دخول، ومنهم من يبيعون أملاكهم في بلدانهم لمجرد الوصول إلى هنا.
إن على الهنود ومن معهم من المروجين للفيلم ولمصطلح العبودية أن يراجعوا مؤشر العبودية في العالم الذي يصنّف الهند الأولى في العالم بتعداد المواطنين المستعبدين وعددهم 14 مليوناً، متفوقةً على الصين بخمسة أضعاف تقريباً، وفق إحصائية منظمة ووك فري الحقوقية، مما يدحض أي محاولة هندية لتصوير المملكة أو أي دولة خليجية بأنها تسيء أو تستعبد الوافدين، الذين يعيشون - على النقيض من ذلك - في أمان، ويملك بعضهم أعمالاً تجارية بالعواصم الخليجية، ومنها السعودية، ومئات الشركات التي تقدّر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات.
إن كل هذه الحقائق تدين تلك الدول والمؤسسات المروجة لهذا الفيلم، وبالأخص الهند التي تتصدر العالم في الاضطهاد والعبودية، لأن الحقيقة واضحة جلية تؤكد براءة دول الخليج من تهمة الممارسات السيئة بحق الوافدين، أي تؤكد براءة المملكة.
***
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.