من المنقف إلى الشامية لم يتوقف صوت المهندس المعماري فريد عبدال عن فتح حوار مجتمعي حول «مشروعه» بإنشاء بلديات صغيرة لتعزيز ثقافة الخدمة والجيرة، عنوان الإصلاح ومدخله يبدأ من القاعدة، أي من تحت، والمسألة تحتاج إلى وعي وثقافة.

عندما تجلس في منزله يأخذك النقاش إلى حيث يهوى فؤاده، وتتعدد الأسئلة التي يطرحها عليك وعلى الصديق المشترك محمد المعتوق العسلاوي، كيف نخلق عامل الانتماء إلى الأرض؟ وكيف نعزز الانتماء للمواطن وللمكان الذي يعيش فيه؟ وكيف ننمي فكرة الاهتمام بالجيران والترابط بينهم؟

Ad

بالتجربة الميدانية لا بالتنظير، اكتشف علّة الماكينة وماذا تشكو، لم يأت هكذا، بل انخرط في «هيكل المؤسسات» منذ زمن وتولدت لديه قناعة، لا وجود لبلدية بحجم دولة، وأقرب الأمثلة إلى هذا النموذج الذي يطمح إليه، الكويت، تونس، لبنان.

نبدأ التغيير بتفكيك البلدية الأم، بحيث نخلق ما يسمى مجالس الأحياء، بلديات صغيرة تتولى اختصاصات الوزارات، تتحول إلى نظام مجتمعي يقوم على الانتخاب والكفاءة.

تاريخياً وعلى مستوى الكويت، البلدية كانت أم الوزارات ومجالس الأمة، ومنذ 90 سنة لم تشهد أي تغيير حققي لا بالدور ولا بالوظيفة ولا بالصلاحيات، بقي الهيكل مثلما هو... عنده يقين أن الأرض ليست رقماً مالياً وعقارا للمضاربة، هي الأم وهي الوطن والإرث الثقافي والمورد الطبيعي والمرعى والمحمية والأراضي البحرية.

مجلس الحي، والبلدية الصغيرة، تحاكي الواقع الجغرافي الذي يحتضن كل من يعيش عليه، في المنقف أو الشامية، أو اليرموك، هو القاسم المشترك الذي يوحّد بين الجميع، لا فوارق طبقية ولا انتماءات عائلية أو قبلية أو مذهبية، وحدة الجغرافيا، الأرض، الجيرة، ركائز التجمعات الحضرية التي بمقدورها أن توظف وتشغل وتنمي مواردها المالية دون اللجوء إلى «الدولة» بالمفهوم السائد.

بلديات مميزة حول العالم استطاعت «بوحدة صغيرة» أن تحدث التغيير المنشود وتقلب الصورة رأساً على عقب، في اليابان والفلبين والبرازيل نماذج يمكن الاقتداء بها، وأقرب دولة تشبه البيئة الكويتية هي سلطنة عمان فيها 44 بلدية غير مجالس الأحياء.

هناك ظواهر إيجابية ولدت في الأزمات وغيرها يمكن البناء عليها في الدعوة للتغيير وإيجاد نمط بلدي صغيراً بوحدة جغرافية تتجاوز كل أنواع التمييز والتفرقة وأشكال الفساد، راقبوا بعض الجمعيات التعاونية على سبيل المثال، راجعوا تجربة الغزو والاحتلال، اقرؤوا تجربة جائحة كورونا، واتفاقيات المدن الصحية، كلها شواهد على وجود خميرة في هذا المجتمع قادرة على أن تحدث التغيير إذا توافر الوعي والقناعة والمبادرة.

بعبارة واضحة أطلقها في عدة مناسبات الناشط والمعماري فريد عبدال، نريد التغيير من القاعدة، لازم يصير عندنا قناعة مجتمعية بذلك، وهذا يتطلب الشعور بالغيرة على الوطن والجيرة وخلق وعي بلدي بنكهة وطنية صافية، أمنية د. فريد عبدال ليست حكراً على شخصه، فهناك شريحة واسعة لديها هذا الهم والفكر والغيرة.

يعمل ودون كلل على تجذير «قيمة التنظيم» في المجتمع من الجذور، وينادي بتكريس قيم الرشد وبناء التنظيمات المجتمعية المحلية، كالبلديات الصغيرة لتعزز ثقافة الخدمة والجوار.

يبني شجرة إنسانية قوية ومتجددة لخدمة المجتمع والأرض والبحر والسماء التي ينمو ويكبر في ظلالها، ويقضي عمره فيها... فهل من مجيب؟