بعضنا يخاف السؤال فلا يطرح الأسئلة ولا يجيب عنها أيضا إذا ما سئل، وبعضنا تعلم في المدارس حتى الخاصة منها أن كثرة الأسئلة قد تضعه أو تضعها في خانة «المشاغبين» أو المتمردين أو في أكثر الأوصاف خفة، يقال إنه أو إنها تحمل الشك والوساوس، وامتد الحظر غير المعلن للسؤال من السؤال والاستفسار حول الأمور الدينية الى حظر السؤال في أمور الحكم التي يسميها البعض سياسة، رغم أنها، وفي كثير منها، مجرد إدارة للبلد، فهل من الحرام أن يتساءل المواطن في أي بلد كان عن السياسات الاقتصادية لحكومته؟ ولماذا مثلا في معظمها تزيد نسبة الفقراء وترفع نسبة العاطلين عن العمل حتى بين المتعلمين، وفي أعلى درجات العلم والمعرفة وحاملي الشهادات العليا والمتخصصة في أصعب المجالات وأحدثها؟ هي مجرد أسئلة، لكنها في صميم حقوق المواطن ليطمئن على مستقبله ومستقبل بلده بل الأجيال القادمة.

وأسئلة مثل لماذا تستثمر حكومة ما في مجالات كالرياضة والبضائع الكمالية والمصانع المفلسة أو حتى العقارات حتى أصبحت مراكز التسوق والمجمعات السكنية أكثر من مزارع القمح والشعير والخضار والبطاطا أو مصانع تنتج احتياجات المواطن بدلا من سياسة استيراد مكلفة ومكبلة للحكومة في قراراتها المصيرية منها والبسيطة أيضا.

Ad

وتبقى الأسئلة لا تنطفئ وهي متشابهة لدى المواطن في مراكش كما هو في البحرين، ألم يتغنوا بالعروبة والعرب من مراكش للبحرين وكبرنا متصورين أن المسافات الجغرافية لا قيمة لها فيما نحن شعوب تحمل تاريخا وحضارة ولغة إن لم تكن واحدة فهي متشابهة، الأسئلة تتشابه لأن الممارسات والسياسات متطابقة، كل السياسات هي في مزيد من الإعمار لا التنمية، وقد لا يكون في ذلك خطأ كبير في رأي بعض «جهابذة» الاقتصاد عندنا، ولكن لا تبنى الاقتصادات القوية على العقار من عمارات شاهقة و«كمبوندانات سكنية» ومطاعم ومقاه وسياحة استجمامية حسية وسطحية جداً، وليس لها أي علاقة بالثقافة والحضارة أو الإنتاج الذي يخلق فرص عمل أكثر استدامة والذي يخلق شيئاً من الاكتفاء الذاتي للدول حتى لا تصبح أداة سهلة في يد من يصدر لها الغذاء والشراب وحتى السلاح! وهي أيضا سياسة تناهض مفهوم التنوع بدلا من وضع كل استثمارات الدولة في سلة واحدة.

يتوهج السؤال عندما تكون عناوين الصحف طافحة بالتمجيد والتعظيم للسياسات الاقتصادية «الحكيمة» والمشاريع البراقة في المظهر فيما تختبئ أخبار العجز في الميزانيات والإفلاسات في المصانع والشركات الأساسية وحتى الكبرى منها أو صور طوابير العاطلين من الجامعيين، وبالطبع فلا مكان في هذا الإعلام شبه الرسمي لصوت المواطن الصارخ من الغلاء والديون والعوز، حتى وصف ذاك الصحافي المعتق الإعلام اليوم بـ«طفح المجاري»!!! وعند الإلحاح لفهم التشبيه يردد كلها تحمل رائحة نتنة.

أحيانا يبحث السؤال عما خلف الصورة أو الخبر في محاولة لعدم الانغماس الكلي في التحول الى مواطن «مزعج» يرى في هذه الصور للمسؤولين الساكنين في «أبراجهم العالية» تعكيرا لصفو أيامه المتعبة، فيغلق الصحيفة خلف الصحيفة وكلهم متشابهون حد الملل، ثم يعرج على نشرات الأخبار في الإذاعة والتلفزيون حتى تلك التي تحمل أسماء قد لا توحي بأنها «رسمية» تابعة للحكومة لكنها في مضمونها حكومية حتى النخاع، ومع عناوين النشرات الإخبارية يغلق الجهاز تلفزيوناً كان أم راديو ولا يستطيع أن يحبس حسرته وهو يقول بصوت منخفض خوفا من أجهزتهم الحديثة جدا «إنهم لا يحبونك يا بلد» هم لا يحبونك فاعذرهم فقد يتفهم المواطن أن الحكومات من أكبر رئيس لها حتى آخر «غفير» ليست في مجملها تتعمد أن ترفع من ضغط المواطن أو تصيبه بالإحباط إن لم يكن الغضب المزمن، لكنها في كثير من الأوقات تجده «جحوداً» غير مقدر لما تقوم به هي له ومن أجله، ومع ذلك لا يستطيع أن يقتل الفكرة بأن المسؤولين في بلاده لا يحبون البلد كما يرددون في صباحات الأيام ومساءاتها في شتائها الممطر حتى تغرق البيوت المتهالكة وتتحول الشوارع الى بحيرات أو مستنقعات، أو في صيفها الحارق، حيث يتحول التجول في الشوارع إلى مخاطرة صحية.

يعرف أن الأسئلة لا تنطفئ برأسه، بل هي تتوهج كل يوم مع كل حركة، أو قرار أو قانون أو تعديل وزاري أو انتخابات «صورية» أو كل موقف تجاه ما يراه أنه قضيته الأولى، ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً «هل يحبونك يا بلدي كما أحبك؟» أم أنهم يرون فيك كما قال صديقي الراحل المتشائم جداً مجرد فندق أو ناد يسكنونه ويتعيشون منه ثم عندما يتهالك يرحلون ويتركونه ومن فيه لمصايرهم؟ كم هي الأسئلة لا تنطفئ رغم أنهم قد أصدروا قانوناً يمنع السؤال.

* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية