تتوالى في الآونة الأخيرة قرارات وتعاميم حكومية تستهدف اصلاحات عامة واقتصادية بحسب رواية الحكومة الرسمية، إلا أن هذه الإصلاحات المالية تحديدا كانت تستهدف بنوداً معينة أو باباً معيناً في الموازنة على حساب بنود أخرى أكثر أولوية. لذلك تسلط هذه المقالة الضوء على أحد أهم الأمثلة على أولوية مستحقة من حيث تأثيرها الضخم على موازنة الدولة قياساً الى جودة الأداء، وهنا نتحدث عن تضخم كلفة إنتاج برميل النفط في الكويت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، حيث أظهرت الأرقام زيادة المصروفات التشغيلية لإنتاج النفط من 3.8 مليارات دينار في 2022 - 2023 لتصل الى 5 مليارات للعام المالي 2024 - 2025 أي زيادة بنسبة 32 في المئة خلال عامين فقط! هذا على الرغم من انخفاض الإنتاج بنسبة تصل الى تقريبا 9 في المئة خلال الفترة ذاتها. هذه الزيادات الضخمة في تكلفة انتاج النفط من حيث المبلغ ومن حيث النسبة تجعل من اصلاح هذا القطاع الحيوي لاقتصاد الدولة واجباً وضرورة قصوى مقدمة على ما يتم طرحه من قضايا اصلاح مالية بالغت في تناول بعض القضايا، ومنها قضية اصلاح الباب الأول وتحميله مسؤولية الاختلالات في مالية الدولة.

أما ادعاء ان تكلفة إنتاج البرميل في الكويت هي من الأقل عالميا فادعاء غير دقيق ومضلل، فلقد أشارت تقارير متخصصة عديدة الى أن تكلفة إنتاج النفط في المنطقة هي الأرخص عالميا نظراً إلى «موقع المنطقة الجغرافي وكبر حجم الحقول»، بمعنى أن المقارنة مع بقية دول العالم تتجاهل عوامل مؤثرة خارجة عن ارادة الدولة المنتجة ولذلك فالأدق والأصدق هو المقارنة مع الدول المجاورة المتشابهة معنا في معظم الظروف. وبما أن المملكة العربية السعودية هي الأقرب لنا من حيث التشابه في جميع الظروف والعوامل فإنه من المنطقي المقارنة معها لقياس مدى كفاءة الإنفاق على الإنتاجية. ومن هذا المنطلق نحيط القارئ الكريم علما بأن المملكة تنتج ما يقارب 9.4 ملايين برميل نفط يوميا، وتوظف ما يقارب 65 ألفاً في القطاع النفطي، ورغم ذلك تبلغ تكلفة انتاج البرميل 4-6 دولارات بحسب بعض المصادر، بينما تشير مصادر اخرى الى ان تكلفة انتاج برميل النفط في السعودية قد تصل الى 10 دولارات. وفي المقابل يوظف القطاع النفطي في الكويت ما يقارب 23 ألف موظف وتنتج الكويت 2,5 مليون برميل نفط يوميا، وتبلغ تكلفة انتاج البرميل الواحد 16 دولاراً بحسب آخر البيانات المالية. وبالتالي، من الواضح أن تكلفة انتاج برميل النفط في الكويت في افضل الأحوال أعلى بما يقارب 50 -60 في المئة منها في السعودية رغم ان المملكة توظف عمالة ثلاثة أضعاف ما يوظف القطاع النفطي في الكويت وتنتج كميات اعلى بأربعة أضعاف!

Ad

الجدير بالذكر أن بند رواتب ومزايا في المصروفات التشغيلية الخاصة بالمؤسسة يبلغ ما يقارب ملياري دينار، بينما كانت المصروفات الخاصة بالباب الأول في الحساب الختامي لعام 2023-2024 صرفا فعليا يقارب 9 مليارات دينار ونصف وهي رواتب ومزايا لجميع موظفي القطاع الحكومي بما فيهم غير الكويتيين وإجمالي عددهم 450 ألف موظف، في «تناقض صريح وشديد مع ما تطرحه الحكومة من اصلاحات لتحقيق العدالة». كذلك هذا الهدر يتعارض بشدة مع خطاب وزارة المالية في الأيام الماضية عن رفع كفاءة الإنفاق حيث إن زيادة المصروفات التشغيلية بهذا الحجم الضخم لم تحسن من كفاءة الإنتاج بل على العكس شهد القطاع النفطي أداء أسوأ، حيث لم تحقق خطته الاستراتيجية السابقة أهدافها الرئيسية.

ختاما، إن الإصلاحات الاقتصادية ليست شعارات يتم الترويج لها ويتوقع من المواطن تصديقها ما لم تكن مقرونة بممارسات تجسدها على أرض الواقع مبنية على أولويات منطقية، لذلك فرسالتنا لوزارة المالية تحديدا هي في تحمل مسؤولياتها وممارسة سياسات ترشيد ووقف للهدر مبنية على ايمان بالعدالة والمساواة بين المواطنين لا إلى عوامل أخرى تتصادم مع ما يتم ترويجه اعلاميا.

* أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث – المملكة المتحدة