«إن المال الذي عندك هبة الله لك، فأنفقه وتصدق لترضيه».

قصص أقرب من الخيال تروى في أدب حكايات الأغنياء وسردياتهم، وهي قصص شبيهة تماماً بقصص البخلاء، بل هي الوجه الآخر لتلك السرديات!

Ad

فقد روى لي صديق ينتمي إلى عائلة من الأشراف في سورية، جده أحد المفتين السابقين لسورية، يقول هذا الصديق: جلست إلى جدي في أحد الأيام، ووجدته يتمتم كثيراً بعبارة «لا حول ولا قوة إلا بالله»، ويردد قوله تعالى «ما عندكم ينفد وما عند الله باق»... فتشجعت وطرحت عليه سؤالاً: ما الذي جعلك تتمتم هكذا وبشكل مستمر اليوم يا جدي؟ فنظر إلي نظرة حادة فيها جدٌ وعطف في آن واحد، وقال: اسمع يا بني وأنت من عائلة شريفة وغنية، إياك أن تنسى الصدقة في أي يوم من الأيام فهي باب البركة لك ولأهلك ولمن سبقنا ومن سيلحقنا!

فكثرة المال التي تتمتع به عائلتك قد تجعلك تنشغل كثيراً بجمع هذا المال وعده وإنفاقه على رغباتك! فإياك أن تسلك هذا الطريق، فقد عايشت وعاصرت الكثير من الأغنياء والأهل والأصدقاء وكنت دائماً أشفق عليهم، فأموالهم كانت سبباً لأسر حياتهم وتقييدهم ونفور الناس منهم بل وشقاء بعضهم!

فهم يرهقون أنفسهم في جمع المال وفي عده وإعادة عده، وفي خزنه وحراسته، ويبخلون على أنفسهم بإنفاقه، فلا يبنون آخرتهم كما هم في دنياهم، فيفوت عليهم خير كثير، إلا من رحم الله منهم!

فإياك أن تكون في موكب أولئك الأغنياء الذين لا ينفقون! وكن مبادراً في الإنفاق سباقاً إلى أبواب الخير حتى تكون ممن زين أعماله دنيا وآخرة!

فبادرت إلى السؤال: جدي هل حقاً الأغنياء لا يتصدقون؟

وكان جوابه الأخير أن عدداً ليس بالقليل منهم كذلك، وعدم الإنفاق والتصدق بخل على النفس وإحجام عن تزكيتها! فإياك من البخل على نفسك، وكن ممن اختصتهم ملائكة الرحمن بالدعاء: «اللهم أعط منفقاً خلفاً».

شكرت صديقي، وقلت له: في الكويت الناس أهل خير غنيهم وفقيرهم ومتوسط الدخل، وصدقاتهم وإنفاقهم سبب من أسباب شيوع العمل الخيري التطوعي في العالم العربي والإسلامي، وهي إحدى سمات الكويتيين ومجتمعهم، والذي ذاع صيته ذاك في أصقاع العالم والحمد لله.