استراتيجية الإصلاح لدينا تعاني معضلة الحصان والعربة، فالعربة بحد ذاتها قد تكون تحمل شيئا جيدا ومفيدا، لكنها تقبع مغبرة أمام حصان حائر لا خلفه، ولا يعرف هذا الحصان كيف يمارس دوره كما يجب في هذا الوضع المعكوس! العربة هي مجموعة الإجراءات والقوانين التي تحرص عليها الحكومة، وهذه الإجراءات بحد ذاتها قد تكون جيدة وضرورية، لكن- كما قلت- آنفاً تحتاج أن يكون الحصان أمامها، فبدون هذه المعادلة الصحيحة لن تستطيع عبور الطريق نحو الهدف.
الحصان هنا قد يتشكل في صور عديدة والعربة كذلك، ففي الإصلاحات الإدارية التي تشكل صورة العربة والحصان هنا هو الموظف لا سواه، وهذا الحصان الإداري والفني يحتاج كي يجري العربة لمعرفة دوره وموقعه بالضبط، فلا يوضع تخصص مكان تخصص، أو يُزج به وفق طريقة املأ الفراغ وسد الشواغر بدون خطة أو استراتيجية، وأن يعطى ملفاً يقيم بحسب ما فيه ليكون كخريطة مهام محددة وواضحة له تقود جهازنا الإداري نحو كنز الإنجاز... هذا المسار هو أفضل من بصمة يضعها- كل صباح ومساء ووقت الضحى- في جهاز يعد بصمات أصابعه لا بصمات مهامه وإنجازاته وفق موقعه الحقيقي أمام العربة، وحتما سيجرها لو أعطي قليلا من الثقة وقليلا من منطق الإنجاز الإيجابي الواقعي لا الورقي السلبي.
وعربة الاقتصاد كذلك تقف أمام حصاننا البترولي الجميل، النفط هبة البلاد ومنبع ثروتها يستطيع أن يجر عربة الاقتصاد ويعبر بها كل الطرق لو وضع أمام عربة الأحلام الاقتصادية، واستُخدم بشكل منهجي لبناء موارد بديلة توفر قاعدة استثمارية طويلة المدى، تخدم هذا الجيل والأجيال القادمة، وبالتأكيد الحصان النرويجي وصندوقه ليس أفضل من حصاننا لو أعطيناه الفرصة فقط.
يبقى الحصان الأخير هو الشعب، وتبقى العربة المهمة هي برامج الحكومة إن وجدت، وهذا الحصان مجرب على طوال تاريخنا قبل النفط وبعده، وقبل الغزو الغاشم وبعده، ولا أحد يشكك في ولائه وقدرته، وكل ما يحتاجه هو مراعاة همومه ووضعه المعيشي وظروفه الحياتية ومخاطبته بشكل منهجي لفهم ما تطرحه الحكومات، وما تقوله بدون وسائط أو ترجمة، وبلا أشعار أو قصائد ومانشيتات وتصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع!
هذا الحصان سيجر كل العربات لو وُضع أمامها ومُنح الثقة واستوعب موقعه الحقيقي، وعرف موضع قدم ثقته إلى أين تسير، فهل تعي الحكومة هذا أم أنها مشغولة بوضع كل شيء وتكديسه فوق سطح العربة الممتلئة بالقرارات والقوانين والدورات المستندية ونسيت الحصان؟!