قبل أقل من شهرين على الانتخابات الرئاسية الأميركية، نجحت نائبة الرئيس كامالا هاريس المرشحة الديموقراطية في المناظرة الرئاسية الأولى التي جرت فجر أمس، في وضع منافسها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب في موقف دفاعي بشأن قضايا مثل الإجهاض، ومدى ملاءمته للمنصب، ومشاكله القانونية العديدة.

وتواجه المرشحان بشراسة بشأن الهجرة والإجهاض والاقتصاد وملفات السياسة الخارجية مثل إسرائيل وأوكرانيا وافغانستان والصين، في مناظرة كانت أكثر حيوية من تلك التي جرت قبل شهرين عندما دفع الأداء الكارثي للرئيس جو بايدن إلى انسحابه من السباق واستبداله بهاريس كمرشحة الحزب الديموقراطي.

Ad

شراسة رغم القواعد

وعلى الرغم من القواعد الصارمة التي فرضتها محطة «إيه بي سي»، تشاجر المرشحَان وقاطع كل منهما الآخر في بعض الأحيان، وبدا واضحا أن هاريس التي استعدت جيدا، أثارت غضب منافسها بشأن قضايا عدة.

وهاجمت هاريس منافسها على خلفية سجله وأسلوبه المبالغ فيه و«مجموعة أكاذيبه» التي كثيرا ما يطلقها، مؤكدة بعبارات حادة أنها عملت مع بايدن على «تنظيف فوضى ترامب».

وقللت هاريس، من حجم الحضور في تجمعات ترامب الانتخابية، واستفزته بقولها إن الناس غالباً ما يغادرون هذه التجمعات مبكراً «بسبب الإرهاق والملل». كما أشارت إلى أن القادة العسكريين الأميركيين ينظرون إلى الرئيس السابق بوصفه «وصمة عار»، في حين رد ترامب عليها في معظم الأوقات بأسلوب غاضب، معلناً أنها ليس لديها سياسات خاصة بها، وأنها «أسوأ نائبة رئيس في تاريخ بلادنا».

وقلما نظر ترامب إلى هاريس عندما كانت تتحدث، في حين كثيرا ما كانت نائبة الرئيس تنظر باتجاه منافسها إما لتوجيه انتقاد أو لرفع حاجبيها تشكيكا لدى تصريح ما لترامب.

معركة بشأن الإجهاض

وشكلت مسألة الحق في الإجهاض لحظة قوية في المناظرة، حيث سعى ترامب إلى تعديل موقفه من هذا الموضوع، مشيراً إلى أنه نجح في إعادة قضية الإجهاض إلى كل ولاية لاتخاذ القرار الخاص بها بهذا الشأن. كما كرر ادعاء بأن بعض الولايات تسمح بالإجهاض «ربما بعد الولادة» وهو إجراء غير قانوني على مستوى البلاد. في المقابل دافعت هاريس عن حق كل امرأة في اتخاذ القرار بشأن صحتها، واعتبرت ان حظر الاجهاض الذي فرض خلال عهد ترامب في عدة ولايات يهدد صحة عشرات آلاف النساء العاملات.

هجرة ودبلوماسية

كما كرر ترامب مزاعم تم تكذيبها حول قيام مهاجرين من هايتي بسرقة حيوانات أليفة من أجل أكلها في مدينة صغيرة بولاية أوهايو، وقال بغضب «في سبرينغفيلد، يأكل المهاجرون الكلاب والقطط والحيوانات الأليفة».

ولم تأخذ السياسة الخارجية حيزا مهما من المناظرة رغم أن كلا المرشحين استغل الفرصة لمهاجمة الآخر بشأن الدبلوماسية وعرض رؤية مختلفة جذريا للعالم. ووصفت هاريس ترامب بأنه «ضعيف ومخطئ» فيما يتعلق بالأمن القومي، وأثارت استياءه عندما قالت إنه «أضحوكة» لزعماء العالم.

وحذرت من أن ترامب «سيسلّم» أوكرانيا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين «الدكتاتور الذي سيكون لقمة سائغة له». وعندما سُئل عما إذا كان يعتقد أن من مصلحة الولايات المتحدة أن تفوز أوكرانيا في حربها ضد روسيا، رفض ترامب الإجابة، وقال: «أريد أن تتوقف الحرب». وردَّت هاريس: «لو كان ترامب رئيساً، لكان بوتين يجلس في كييف الآن».

في المقابل اعتبر ترامب أنّ «إسرائيل ستزول» إذا ما أصبحت هاريس رئيسة للبلاد، مشددا على أنها «»تكره إسرائيل، إذا أصبحت رئيسة، أعتقد أنّ إسرائيل لن تكون موجودة في غضون عامين»، واتهم هاريس بانها عجزت عن منع اندلاع حرب اوكرانيا وغزة بسبب ضعف ادارة بايدن وانسحابها الفوضوي من افغانستان.

من الفائز؟

وكان البعض يخشى أن تتعثر هاريس تحت وطأة هجمات ترامب، لكن المرشحة الديموقراطية، عرضت حججها فيما وضعت منافسها في موقع الدفاع، حيث رأى مراقبون وناخبون مترددون أن المرشحة الديموقراطية اكتسبت أفضلية على منافسها طوال المناظرة.

وأكدت صحيفة واشنطن بوست، التي استجوبت 24 ناخبًا من ولايات حاسمة لم يحسموا قرارهم، أن 22 شخصًا منهم يعتقدون أن هاريس فازت، مقابل اثنين فقط يعتقدان العكس.

ورحب العديد من الاستراتيجيين والمسؤولين الديمقراطيين بأداء هاريس، بينما اشتكى الجمهوريون من نبرة الأسئلة من المنسقين، وأقروا بالفرص الضائعة لترامب للهجوم على المرشحة الديمقراطية بشكل مركز.

وقال الحاكم السابق لنيوجيرسي كريس كريستي، وهو جمهوري مناهض لترامب، لشبكة «إيه بي سي»: «لقد كانت مستعدة بشكل رائع، لقد نصبت الفخاخ، وطاردته بكل الطرق. هذا هو الفرق بين شخص مستعد جيداً وشخص غير مستعد».

وقالت كايتلين ليغاكي، الخبيرة الاستراتيجية الديموقراطية والمستشارة السابقة لوزيرة التجارة جينا رايموندو: «لقد دفعته هاريس مراراً وتكراراً للخروج عن النص، وركزت حديثها على مواقفه التي واجه فيها انتقادات شعبية كبيرة. لقد أظهرت أنها تمتلك الشجاعة لمواجهة أي شخص».

من جهته، قال فيفيك راماسوامي، رجل الأعمال والمرشح الرئاسي الجمهوري السابق لعام 2024، لشبكة «فوكس نيوز»: «أعتقد أن كامالا هاريس تجاوزت التوقعات المنخفضة للغاية التي تم تحديدها لها عمداً».

أما لانس تروفر، الخبير الاستراتيجي الجمهوري الذي عمل سكرتيراً صحافياً لحاكم داكوتا الشمالية دوغ بورغوم، فقال: «عندما ركزت المناظرة على الحدود والاقتصاد، كانت اليد العليا لترامب، ولكن في كثير من الأحيان كان يبتلع الطعم من نائبة الرئيس، ويمنحها فرصة لاستفزازه. وفي حين أن هاريس أزعجت ترامب بوضوح، فإنها لم تطلق إلا القليل من الكلمات المبتذلة».

من جهته، قال الخبير السياسي لاري ساباتو إن «ترامب كان سيئا للغاية وفازت هاريس بفارق كبير»، مضيفا أنها «انتقمت لخسارة بايدن في المناظرة الأولى»، بينما أقر الخبير الاستراتيجي الجمهوري ليام دونوفان، من ناحيته، أن «نائبة الرئيس نفذت استراتيجيتها على أكمل وجه، إذ تصدت لأسئلة المشرف على المناظرة وسددت ضربات إلى ترامب، وأثارت غضبه».

ووصف الأستاذ بجامعة برينستن جوليان زيليزر المناظرة بأنها «دقة وتخطيط من جانب هاريس في مواجهة فوضى وغضب وتضليل» من جانب ترامب.

واتفقت وسائل الإعلام الأميركية، تقريبا، على فوز هاريس على ترامب في المناظرة، حيث أوضحت شبكة «سي إن إن» في متابعة لهذا اللقاء «شديد التوتر»، أن «ترامب غالبًا ما فقد السيطرة وكرر بصوت عالٍ أن عددًا كبيرًا من الأكاذيب»، خاصة فيما يتعلق بتزوير انتخابات عام 2020 التي فاز بها بايدن.

وفي عمود نشر على قناة «فوكس نيوز»، شدد المحلل السياسي دوج شوين على أن «الفائز في هذه المناظرة ديموقراطي، لكن لا تعتقدوا أن هذه الانتخابات قد انتهت»، مضيفا أنه «يبدو أن نائبة الرئيس استعادت الثقة بنفسها عندما رأت ترامب يتأرجح تحت الأسئلة». وأعلنت حملتا هاريس وترامب انهما فازا في المناظرة كما دعتا الى مناظرة ثانية.

وقال ترامب إن المناظرة لم تكن منصفة بحقهن، واشتكى خصوصا من تصحيح المقدمين لادعاءات كان يقولها.

وقال لقناة فوكس نيوز الإخبارية المحافظة: «حصل غش، مثلما توقعت، لأنك عندما تنظر إلى الوقائع ترى أنهم كانوا يصححون كل شيء (أقوله) ولا يصححونها». كما انتقد نجمة البوب تايلور سويفت، لأنها أيدت هاريس بعد المناظرة، بقوله «لم أكن من المعجبين بتايلور سويفت... إنها شخص ليبرالي جدا. يبدو أنها تؤيد دائما المرشح الديموقراطي، وستدفع على الأرجح ثمن ذلك في السوق».

أبرز التصريحات «غير الدقيقة» من الجانبين

في أول مناظرة تجمعهما، تواجه الرئيس السابق، دونالد ترامب، ومنافسته الديمقراطية، كامالا هاريس، في نقاش حاد كشف عن تباين في الرؤى والمواقف بين المرشحين بشأن قضايا محورية تشغل الرأي العام الأميركي.

وذكرت شبكة «أن بي سي نيوز»، أنه خلال هذه المواجهة الساخنة، روّج ترامب لعدد من «نظريات المؤامرة المدحوضة» المتعلقة بالهجرة والجريمة وغيرهما، بينما أدلت هاريس بـ «تصريحات مضللة»، حول واقع التوظيف وواقع حضور القوات الأميركية في مناطق القتال.

والد هاريس «الماركسي»

بدأ ترامب المناظرة بتوجيه اتهام لهاريس بأنها «ماركسية»، مشيرا إلى أن «والدها أستاذ ماركسي في الاقتصاد، وقد علمها جيدا».

لكن الشبكة، أوردت أن «هذا ليس ما يقوله طلابه»، موضحة أن ثلاثة من الطلاب السابقين للبروفيسور، دونالد هاريس، الذين أصبحوا الآن اقتصاديين بأنفسهم، أكدوا أنهم لا يتفقون مع أن والد هاريس ماركسي.

ودرّس دونالد هاريس في جامعة ستانفورد لما يقرب من ثلاثة عقود حتى تقاعد في عام 1998، وأثناء وجوده هناك، درس الفلسفة الاقتصادية لكارل ماركس من بين فلسفات المفكرين الآخرين المختلفين، كما يتذكر طلابه.

طالبان ومعدات عسكرية بـ 85 مليار دولار

وخلال تناولهما موضوع الانسحاب الأميركي من أفغانستان، قال ترامب إن طالبان ورثت معدات عسكرية أميركية بقيمة 85 مليار دولار تركتها القوات الأميركية في انسحابها المتسرع. في هذا الجانب، تقول الشبكة، إن هذا الادعاء غير صحيح.

وأوضحت أن طالبان، استولت بالفعل على معدات عسكرية أميركية الصنع، عندما سيطرت على السلطة في عام 2021، لكن رقم 85 مليار دولار مبالغ فيه بشكل كبير. وأضافت أن الرقم الذي قدمه ترامب تقريب لحوالي 83 مليار دولار من إجمالي المساعدات المخصصة للجيش والشرطة الأفغانية خلال الحرب التي استمرت عقدين.

ووفقا لتقرير وزارة الدفاع لعام 2022، سيطرت طالبان على معظم المعدات الممولة من الولايات المتحدة، مقدرة قيمتها بنحو 7 مليارات دولار والتي كانت في حوزة الحكومة الأفغانية السابقة إثر انهيارها وكانت حالتها غير معروفة.

وذكر التقرير أن الجيش الأميركي أزال أو دمر جميع المعدات الرئيسية تقريبا التي كان يستخدمها في أفغانستان في الأشهر التي سبقت الانسحاب.

القوات الأميركية في مناطق القتال

وخلال المناظرة، زعمت هاريس أنه لا يوجد أفراد من الجيش الأميركي في الخدمة الفعلية في منطقة قتال، قائلة إنه «واعتبارا من اليوم، لا يوجد عضو واحد في الجيش الأميركي في الخدمة الفعلية في منطقة قتال، في أي منطقة حرب حول العالم، للمرة الأولى هذا القرن».

وهذا غير صحيح، بحسب الشبكة. في حين أن الكونغرس لم يعلن رسميا الحرب منذ سنوات، فإن قوات أميركية موجودة في مناطق قتال بعدة دول.

ووفقا للمصدر ذاته، يخدم عدد من أفراد القوات الأميركية في أماكن مثل العراق وسورية، حيث يعملون مع قوات محلية في محاربة التنظيمات الإرهابية. كما أنهم يجرون مهام في كلا البلدين، وهذا ما ظهر في نهاية الشهر الماضي في محافظة الأنبار العراقية، حيث أسفرت عملية عن مقتل 15 إرهابيا من تنظيم داعش.

ويضيف المصدر ذاته، أن قوات أميركية موجودة أيضا في الصومال وأجزاء أخرى من إفريقيا، حيث تدعم قوات محلية تحارب الجماعات الإرهابية. كما يشير إلى مهامها في البحر الأحمر، وعملها هناك على إسقاط طائرات مسيرة وصواريخ حوثية.

وأثار الرئيس السابق ادعاء بأن هاريس «تريد مصادرة أسلحة» الأميركيين. تقول الشبكة، إن هذا ادعاء آخر غير صحيح، وتم دحضه بشكل متكرر بعد أن جرى تداوله سابقًا على الإنترنت.

وأوضحت الشبكة، أن هاريس تميل إلى تطبيق قوانين لتعزيز السلامة بشأن حيازة الأسلحة، وتشمل اقتراحاتها فرض إجراءات أكثر صرامة على بيع واقتناء الأسلحة. ورد هاريس المباشر على هذا الادعاء كان واضحا خلال المناظرة، عندما قالت: «تيم والز وأنا كلانا نملك أسلحة. نحن لن نأخذ أسلحة أي شخص».

عدد الوظائف المضافة

وفي المناظرة صرحت هاريس بأن إدارة بايدن أضافت أكثر من 800 ألف وظيفة جديدة للاقتصاد الأميركي.

وتقول «سي أن أن»، إنه بالرغم من كون الادعاء مقاربا للحقيقة، يحتاج إلى بعض التوضيح.

وأوضحت أنه حتى يوليو 2024، أضاف الاقتصاد الأميركي فعليا 765 ألف وظيفة منذ فبراير 2021. ومعظم هذه الوظائف (746000) أُضيفت في عامي 2021 و2022، مع نمو بطيء في 2023 وأوائل 2024.

وفي أغسطس 2024، فقد الاقتصاد نحو 24000 وظيفة، مما خفض الإجمالي إلى 739000.