الكويت الأكثر اعتماداً على النفط... الأقل اكتراثاً بانخفاض أسعاره
توقعات ضعف الطلب ووفرة الإمدادات وصعوبة خفض الإنتاج تعطي آفاقاً قاتمة لأسواق الطاقة
• ميزانيتنا تعتمد على إيرادات النفط بـ 91%... والحكومة بلا خطة أو برنامج أو بدائل
أخذت توقعات أسعار النفط العالمية وزناً أكبر من حيز اهتمام المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية خلال الأسبوع الماضي، لا سيما بعد أن أعطى اجتماع مجموعة أوبك بلس، مطلع الشهر الجاري، إشارات سلبية تجاه ضعف الطلب وفائض الإنتاج، بل وأيضا الخلافات غير المعلنة بين المنتجين، وما تفضي إليه هذه الأوضاع من احتمالات تراجع في أسعار النفط العالمية، وصولا الى مدى مرونة أكثر منتجي الخام اعتمادا على إيرادات النفط - أكثرهم الكويت - في التعامل مع واقع جديد عنوانه العريض «سعر برميل نفط منخفض».
تأجيل وتراجع
فرغم أن قرار مجموعة أوبك بلس تأجيل زيادة الإنتاج التدريجية من شهر أكتوبر الى شهر ديسمبر 2024 كان يستهدف دعم الأسعار، فإن ردّة فعل السوق كانت في الاتجاه السلبي، إذ انخفض سعر خام برنت بنحو 10 بالمئة (70 دولارا للبرميل)، ليسجل أدنى مستوياته منذ ديسمبر 2021، أما الخام الأميركي «غرب تكساس»، فانخفض بواقع 8 بالمئة عند (66 دولارا)، وهو أدنى مستوى منذ يونيو 2023، مما يعزز فكرة أن الصورة العامة في سوق النفط أكثر قتامة من تصورات المنتجين.
تحليلات وتوقعات
فوفق تحليلات المؤسسات المالية؛ مثل مورغان ستانلي وسيتي غروب وستاندرد آند بورز وغولدمان ساكس، الى جانب شركتي تداول المواد الخام الأولية كجانفور وترافيجورا العالميتين، فإن أسعار النفط ستتجه الى مستويات أكثر انخفاضا على المدى المتوسط، أفضلها عند 75 دولاراً للبرميل وأدناها عند 60 دولاراً، ما لم تقم «أوبك بلس» بتخفيض أكبر للإنتاج وليس مجرد تأجيل زيادة الإنتاج لشهرين إضافيين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) أصدرت تقريرا الأسبوع الجاري اتسقت فيه توقعاتها مع تحليلات المؤسسات المالية، إذ خفضت «أوبك» توقعات متوسط نمو الطلب على النفط للمرة الثانية هذا العام، ليصل الى 2.03 مليون برميل يوميا، مقارنة بـ 2.11 مليون في توقعات أغسطس الماضي، كما خفضت «أوبك» من توقعات عام 2025 إلى 1.74 مليون برميل يوميا من 1.78 مليون.
اعتراف نادر
وفي اعتراف نادر، أشار تقرير «أوبك» الى احتمالية أن يؤثر الانتشار المتزايد للشاحنات التي تعمل بالغاز الطبيعي والمركبات الكهربائية على الطلب على الديزل والبنزين في المستقبل، مما يبين تحديات أكثر جدية تواجه الطلب على النفط الخام؛ بعضها قد يأخذ آمادا طويلة في وقت تواجه عملية خفض الإنتاج، رفضا من بعض منتجي النفط الكبار في «أوبك بلس»، إذ شهدت مناقشات المجموعة خلال الأشهر الماضية مطالبات من الإمارات ونيجيريا وأنغولا بزيادة الحصص الإنتاجية، واكتشاف عدم التزام العراق وكازاخستان بالحصص المحددة، مما يقلل من احتمالية استجابة المجموعة لأي توجه يستهدف خفض الإنتاج.
أثر «أوبك بلس»
وأدت مجموعة أوبك بلس - التي شُكلت عام 2016 كردّة فعل على تدهور أسعار النفط نهاية عام 2014 بوصفها تسيطر على 55 بالمئة من إمدادات النفط عالميا و90 بالمئة من الاحتياطي العالمي - أدوارا لافتة في ضبط أسعار الخام، لا سيما خلال جائحة كورونا، عندما انخفض الطلب العالمي على الطاقة إلى مستويات غير مسبوقة، بسبب سياسات الإغلاق التجاري والخدمي والاقتصادي في عدد كبير من الدول، كما مثّلت المجموعة بسياستها الخاصة بخفض الإنتاج النفطي الإلزامي والطوعي بواقع 5.86 ملايين برميل يومياً (منها 2.2 مليون برميل طوعي يبدأ التخلي التدريجي عنها اعتبارا من ديسمبر 2025 لمدة عام و3.66 ملايين برميل إلزامية)، أو ما يعادل 5.7 بالمئة من الطلب العالمي على الخام، عاملا أساسيا في دعم سعر برميل النفط بالتوازي مع التوترات الجيوسياسة؛ كالحرب الروسية - الأوكرانية أو العدوان الصهيوني على غزة.
تحمّل وتعامل
ولا شك في أن ثبات التوترات الجيوسياسية وضعف الطلب على الطاقة من الصين بالتوازي مع التخلي التدريجي عن الخفض الطوعي لإنتاج النفط ستمثل عوامل ضاغطة على سعر البرميل، مما يفتح الباب لنقاش أوسع حول مدى مرونة المالية العامة بالكويت في تحمّل سعر برميل نفط منخفض من ناحية، وكيفية تعامل الإدارة العامة بشكل حصيف ومستدام مع مستجدات تشير الى واقع قاتم في سوق النفط من ناحية أخرى.
فحسب بيانات الحساب الختامي (الفعلي) للسنة المالية 2023 - 2024، فإن الكويت هي أعلى دولة في العالم من جهة الاعتماد على النفط بنسبة 91 بالمئة، مما يجعلنا أعلى من حيث المخاطر والانكشاف على التقلبات والتأثر سلبا أو إيجابا بسعر البرميل، خصوصا أن افتراضات الميزانية تشير الى أن سعر برميل النفط الكويتي الذي بلغ يوم أمس (73.1 دولارا) هو في أقرب مستوى لسعر الأساس المسجل في ميزانية 2024 - 2025، البالغ 70 دولارا للبرميل، ويبتعد عن سعر التعادل في نفس الميزانية البالغ 89.9 دولارا للبرميل بما يعادل (18.6 بالمئة).
لا برامج
ولعله من المفيد الإشارة الى أن الإدارة العامة في الكويت، المتمثلة في مجلس الوزراء الذي يمتلك حاليا جميع الاختصاصات التشريعية والتنفيذية في البلاد، لم تعلن رغم مرور 4 أشهر تقريبا على التشكيل الحكومي حتى برنامج عملها أو خطتها أو مشروعها الاقتصادي والمالي، في وقت لم تستطع أسعار النفط - المرتفعة بعوامل دعم استثنائية - أن تلامس سعر التعادل أو تحقق فوائض مالية، فكيف ستكون الحال لو تحققت توقعات بعض المؤسسات المالية الدولية وشركات المتاجرة النفطية العالمية بتدني سعر البرميل الى مستويات أقل من 70 دولارا للبرميل، أي أقل من سعر الأساس الذي بُنيت عليه فرضية تحقيق عجز مالي بقيمة 5.636 مليارات دينار، وهي - على ما يبدو - لم تكن فرضية متحفظة تراعي المصاعب المتزايدة في سوق النفط؟!
لحم حي
ولا شك أيضا في أن ثمة خيارات لو في نطاق ضيق لدى «أوبك بلس» لتمديد عدم زيادة الإنتاج أو حتى ربما خفضه، إلا أن المخاطر المالية ستظل أكثر عمقا بالنسبة لدولة كالكويت عاجزة حتى عن تحقيق مستوى ثانوي من تنويع مصادر إيراداتها أو ضبط مصروفاتها، وتعتمد في موازنة الفارق بينهما باقتطاع «لحم حي» من احتياطياتها، في وقت تمعن بتدهور إدارتها بلا خطة أو مشروع أو مبادرة!
تأجيل وتراجع
فرغم أن قرار مجموعة أوبك بلس تأجيل زيادة الإنتاج التدريجية من شهر أكتوبر الى شهر ديسمبر 2024 كان يستهدف دعم الأسعار، فإن ردّة فعل السوق كانت في الاتجاه السلبي، إذ انخفض سعر خام برنت بنحو 10 بالمئة (70 دولارا للبرميل)، ليسجل أدنى مستوياته منذ ديسمبر 2021، أما الخام الأميركي «غرب تكساس»، فانخفض بواقع 8 بالمئة عند (66 دولارا)، وهو أدنى مستوى منذ يونيو 2023، مما يعزز فكرة أن الصورة العامة في سوق النفط أكثر قتامة من تصورات المنتجين.
تحليلات وتوقعات
فوفق تحليلات المؤسسات المالية؛ مثل مورغان ستانلي وسيتي غروب وستاندرد آند بورز وغولدمان ساكس، الى جانب شركتي تداول المواد الخام الأولية كجانفور وترافيجورا العالميتين، فإن أسعار النفط ستتجه الى مستويات أكثر انخفاضا على المدى المتوسط، أفضلها عند 75 دولاراً للبرميل وأدناها عند 60 دولاراً، ما لم تقم «أوبك بلس» بتخفيض أكبر للإنتاج وليس مجرد تأجيل زيادة الإنتاج لشهرين إضافيين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) أصدرت تقريرا الأسبوع الجاري اتسقت فيه توقعاتها مع تحليلات المؤسسات المالية، إذ خفضت «أوبك» توقعات متوسط نمو الطلب على النفط للمرة الثانية هذا العام، ليصل الى 2.03 مليون برميل يوميا، مقارنة بـ 2.11 مليون في توقعات أغسطس الماضي، كما خفضت «أوبك» من توقعات عام 2025 إلى 1.74 مليون برميل يوميا من 1.78 مليون.
الكويت عاجزة عن تحقيق مستوى ثانوي من تنويع إيراداتها أو ضبط مصروفاتها وتعتمد في موازنة الفارق بينهما على اقتطاع «لحم حي» من احتياطياتها
اعتراف نادر
وفي اعتراف نادر، أشار تقرير «أوبك» الى احتمالية أن يؤثر الانتشار المتزايد للشاحنات التي تعمل بالغاز الطبيعي والمركبات الكهربائية على الطلب على الديزل والبنزين في المستقبل، مما يبين تحديات أكثر جدية تواجه الطلب على النفط الخام؛ بعضها قد يأخذ آمادا طويلة في وقت تواجه عملية خفض الإنتاج، رفضا من بعض منتجي النفط الكبار في «أوبك بلس»، إذ شهدت مناقشات المجموعة خلال الأشهر الماضية مطالبات من الإمارات ونيجيريا وأنغولا بزيادة الحصص الإنتاجية، واكتشاف عدم التزام العراق وكازاخستان بالحصص المحددة، مما يقلل من احتمالية استجابة المجموعة لأي توجه يستهدف خفض الإنتاج.
أثر «أوبك بلس»
وأدت مجموعة أوبك بلس - التي شُكلت عام 2016 كردّة فعل على تدهور أسعار النفط نهاية عام 2014 بوصفها تسيطر على 55 بالمئة من إمدادات النفط عالميا و90 بالمئة من الاحتياطي العالمي - أدوارا لافتة في ضبط أسعار الخام، لا سيما خلال جائحة كورونا، عندما انخفض الطلب العالمي على الطاقة إلى مستويات غير مسبوقة، بسبب سياسات الإغلاق التجاري والخدمي والاقتصادي في عدد كبير من الدول، كما مثّلت المجموعة بسياستها الخاصة بخفض الإنتاج النفطي الإلزامي والطوعي بواقع 5.86 ملايين برميل يومياً (منها 2.2 مليون برميل طوعي يبدأ التخلي التدريجي عنها اعتبارا من ديسمبر 2025 لمدة عام و3.66 ملايين برميل إلزامية)، أو ما يعادل 5.7 بالمئة من الطلب العالمي على الخام، عاملا أساسيا في دعم سعر برميل النفط بالتوازي مع التوترات الجيوسياسة؛ كالحرب الروسية - الأوكرانية أو العدوان الصهيوني على غزة.
تحمّل وتعامل
ولا شك في أن ثبات التوترات الجيوسياسية وضعف الطلب على الطاقة من الصين بالتوازي مع التخلي التدريجي عن الخفض الطوعي لإنتاج النفط ستمثل عوامل ضاغطة على سعر البرميل، مما يفتح الباب لنقاش أوسع حول مدى مرونة المالية العامة بالكويت في تحمّل سعر برميل نفط منخفض من ناحية، وكيفية تعامل الإدارة العامة بشكل حصيف ومستدام مع مستجدات تشير الى واقع قاتم في سوق النفط من ناحية أخرى.
فحسب بيانات الحساب الختامي (الفعلي) للسنة المالية 2023 - 2024، فإن الكويت هي أعلى دولة في العالم من جهة الاعتماد على النفط بنسبة 91 بالمئة، مما يجعلنا أعلى من حيث المخاطر والانكشاف على التقلبات والتأثر سلبا أو إيجابا بسعر البرميل، خصوصا أن افتراضات الميزانية تشير الى أن سعر برميل النفط الكويتي الذي بلغ يوم أمس (73.1 دولارا) هو في أقرب مستوى لسعر الأساس المسجل في ميزانية 2024 - 2025، البالغ 70 دولارا للبرميل، ويبتعد عن سعر التعادل في نفس الميزانية البالغ 89.9 دولارا للبرميل بما يعادل (18.6 بالمئة).
تأجيل مجموعة «أوبك بلس» زيادة الإنتاج التدريجية لم يكبح ردة فعل السوق السلبية تجاه الأسعار
لا برامج
ولعله من المفيد الإشارة الى أن الإدارة العامة في الكويت، المتمثلة في مجلس الوزراء الذي يمتلك حاليا جميع الاختصاصات التشريعية والتنفيذية في البلاد، لم تعلن رغم مرور 4 أشهر تقريبا على التشكيل الحكومي حتى برنامج عملها أو خطتها أو مشروعها الاقتصادي والمالي، في وقت لم تستطع أسعار النفط - المرتفعة بعوامل دعم استثنائية - أن تلامس سعر التعادل أو تحقق فوائض مالية، فكيف ستكون الحال لو تحققت توقعات بعض المؤسسات المالية الدولية وشركات المتاجرة النفطية العالمية بتدني سعر البرميل الى مستويات أقل من 70 دولارا للبرميل، أي أقل من سعر الأساس الذي بُنيت عليه فرضية تحقيق عجز مالي بقيمة 5.636 مليارات دينار، وهي - على ما يبدو - لم تكن فرضية متحفظة تراعي المصاعب المتزايدة في سوق النفط؟!
المؤسسات المالية وشركات تداول «الخام» تتوقع سعر برميل بين 75 و60 دولاراً
لحم حي
ولا شك أيضا في أن ثمة خيارات لو في نطاق ضيق لدى «أوبك بلس» لتمديد عدم زيادة الإنتاج أو حتى ربما خفضه، إلا أن المخاطر المالية ستظل أكثر عمقا بالنسبة لدولة كالكويت عاجزة حتى عن تحقيق مستوى ثانوي من تنويع مصادر إيراداتها أو ضبط مصروفاتها، وتعتمد في موازنة الفارق بينهما باقتطاع «لحم حي» من احتياطياتها، في وقت تمعن بتدهور إدارتها بلا خطة أو مشروع أو مبادرة!