بعد واحدة من أهمّ المناظرات الرئاسية في السنوات الـ 60 الأخيرة، والتي هيمنت فيها المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس على منافسها الجمهوري دونالد ترامب، وحشرته في موقف دفاعي بإجماع أغلب المعلّقين، استأنف المتنافسان حملتيهما الانتخابيتين في معركة محتدمة «تكاد تكون على سنتيمترات»، لاسيما بالولايات المتأرجحة، وفق ما وصفت صحيفة نيويرك تايمز.
وبعد هدنة عابرة عقب المناظرة لتكريم ذكرى ضحايا هجمات 11 سبتمبر، نظم الرئيس الجمهوري السابق تجمعا انتخابيا في أريزونا، إحدى ولايات الغرب الأميركي، التي شهدت منافسة شديدة في الانتخابات السابقة، ويبدو أن الحال ستكون مماثلة في الانتخابات المقررة في 5 نوفمبر المقبل.
وعلى الطرف الآخر من الولايات المتحدة، وتحديدا في ولاية كارولينا الشمالية، استأنفت هاريس حملتها للفوز بالبيت الأبيض، محاولة استمالة أكبر عدد من أصوات الأميركيين من أصول إفريقية والشباب الذين أعاد ترشحها تحفيزهم، للفوز على الملياردير الجمهوري في هذه الولاية.
وكما كانت الحال في الدورتين السابقتين من الانتخابات الرئاسية، يمكن أن يحسم مصير الانتخابات بضعة آلاف من الأصوات في الولايات المتأرجحة، وذلك بسبب نظام الاقتراع العام غير المباشر، لذا يركز كلا المرشحين على هذه الولايات.
وتعتزم هاريس الاستفادة من مناظرتها مع ترامب بعدما كانت الطرف المهيمن فيها وفق معظم المعلّقين، ولاسيما وقد شاهدها أكثر من 67 مليون شخص، وهي الأهم منذ أكثر من 60 عاما، إلا أن تأثيرها على التصويت غالبا ما يكون محدودا.
وفي هذا السياق، قال المحلّل السياسي في جامعة فيرجينيا، كايل كونديك إن «ذاكرة الناخبين ضعيفة»، مشيرا إلى أن هناك ما يكفي من الوقت حتى موعد الانتخابات «لكي يتلاشى تأثير المناظرة إذا وجد»، فيما لا يمكن استبعاد مواجهة متلفزة جديدة بين المرشحين، حيث تحدّت هاريس ترامب لإجراء مناظرة ثانية.
ولم يقبل ترامب هذا الاقتراح رسميا، مؤكدا في البداية أنه لا يريد «إعادة المباراة»، قبل أن يلمح إلى أنه قد يغير رأيه إذا نظمت هذه المناظرة «فوكس نيوز»، القناة المفضلة لليمين الأميركي.
وعلى الرغم من الزخم الذي أحدثته هاريس بعد أدائها القوي خلال المناظرة، يتوقع فريقها سباقًا متقاربًا، خاصة في الولايات المتأرجحة حيث يمكن حتى لعدد صغير من الناخبين التأثير على النتيجة. وتعتزم الحملة الديموقراطية زيادة ظهور هاريس العام والمقابلات في الولايات الرئيسية بهدف استمالة الناخبين غير الحاسمين.
ويكمن التحدي الذي تواجهه نائبة الرئيس في موازنة ارتباطها بإدارة جو بايدن غير الشعبية، والابتعاد عنه بشكل صريح، حيث تجنبت خلال المناظرة الإجابة بشكل مباشر عما إذا كان الأميركيون أفضل حالًا مما كانوا عليه قبل أربع سنوات، وركزت بدلاً من ذلك على مقترحاتها لدعم الأسر العاملة.
كما تواجه حملة هاريس تحديًا كبيرًا في رفع أعداد أنصارها بدلاً من تقليل أنصار ترامب، الذي ظل دعمه ثابتًا. وتُظهِر استطلاعات الرأي سباقًا تنافسيًا للغاية في الولايات المتأرجحة، وفي حين أصبحت حملة ترامب أقل قوة مما كانت عليه في عام 2016، فإن الجماعات اليمينية تستثمر بكثافة في الجهود الرامية إلى معارضة هاريس، ما يحوّل الانتخابات إلى «معركة على سنتيمترات»، وفقًا لحاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم، حيث يتوقف السباق على هوامش صغيرة في المقاطعات المتأرجحة الحاسمة داخل هذه الولايات.
وتكثف هاريس جهودها في ولايات ساحة المعركة مثل نورث كارولينا وبنسلفانيا، حيث لديها جدول كامل من التجمعات التي تعتبرها حملتها فرصة لتحويل تركيز الانتخابات مرة أخرى إلى ترامب وسياساته، وهو ما حاول فريق بايدن القيام به سابقًا لكنه لم يحقق نجاحا في ذلك.
ويعتقد فريق هاريس أنه من خلال إغراء ترامب بارتكاب أخطاء دفاعية أثناء المناظرة، يمكنهم الاستمرار في لفت الانتباه إلى نقاط ضعفه التي انبثقت في الأسابيع الأخيرة من الحملة. لكن هذه الاستراتيجية تصطدم بعقبة رئيسية، وهي أن العديد من الناخبين لا يزالون متخوفين من سجلها كنائبة للرئيس، مما يمثل فرصة لترامب لكسب مؤيدين جدد.
ومع بقاء أقل من شهرين حتى يوم الانتخابات، لم يتخذ جزء كبير من الناخبين قرارهم بشأن هاريس بعد، في حين استقرت الآراء حول ترامب إلى حد كبير. وأظهر استطلاع رأي حديث أن 31 بالمئة من الناخبين ما زالوا يشعرون أنهم بحاجة إلى معرفة المزيد عن هاريس، مقارنة بـ 12 في المئة فقط لترامب.
ويزعم حلفاء هاريس، مثل السيناتور لافونزا بتلر وخبير استطلاعات الرأي الديموقراطي كورنيل بيلشر، أن التردد بشأن هاريس ربما ينبع من كونها امرأة سوداء تسعى إلى أعلى منصب. ويؤكد الخبيران أن حملتها يجب أن تستغل اللحظات الثقافية، مثل الاستجابة عبر الإنترنت لمزاعم ترامب الغريبة بشأن المناظرة، للتواصل مع الناخبين بطرق تتجاوز المقترحات السياسية.