المسلمون في أوروبا... مدخل تاريخي (1)
لا يعود الحضور الإسلامي في أوروبا إلى فترة قريبة بل إنه تاريخيا يعود إلى العصور الوسطى، التي شهدت صراعا على أكثر من مستوى بين الثقافتين، لكن هذا الصراع الذي كان سمة تلك المرحلة وعنوانها، حمل أيضا محطات تواصل وتثاقف وبناء مشترك، فقد ساهم الحضور الإسلامي في كل من الأندلس وصقلية ومناطق أخرى في نقل التراث العلمي والفكري وتقاطع الثقافتين وانعكس ذلك بشكل واضح في عدة مستويات، بل كانت النهضة الأوروبية الحديثة في جزء منها استمرارية لما حققته الحضارة العربية الإسلامية من تقدم واصل طريقه الغرب المسيحي وحقق نقلة حضارية أسست لجزء مهم من ثقافة العالم الحديث.
كان هذا التأسيس قادحا بفتح باب التوسع والاستعمار الذي شهد أوجه في القرنين 18 و19، لتكون اللحظة الثانية للقاء الثقافتين وفق موازين قوى مختلفة، حاولت القوى الاستعمارية الناشئة بفضل الثورة الصناعية أن تبحث عن مجالات وثروات جديدة، وكان العالم العربي والإسلامي أول خطوط مواجهة هذا المدّ، ولعل الصدمة الأولى والعميقة بدأت في مصر مع غزو نابليون، تلك المواجهة الأولى نهاية القرن 18، أعقبتها مواجهة أشد بالنصف الثاني من القرن 19 شملت مختلف مناطق العالمين العربي والإسلامي.
لقد خلقت الفترة الاستعمارية مرحلة جديدة تميزت بثنائية الغالب والمغلوب، لكنها رغم ما حملته من ظلم واستغلال ونهب، كانت لها إيجابيات غير مقصودة استفادت منها الشعوب المستعمرة، كما جعلت التواصل بين الجانبين مباشرا ودافعا لتواصل من خلال انتقال طلاب العلم إلى جامعات الغرب للدراسة، وللفئات العاملة والمحاربين الذين أجبروا على العمل والقتال في صفوف القوات الاستعمارية، هكذا كانت بدايات الحضور العربي الإسلامي في أوروبا محدودة بثنائية الحاجة والإجبار، لكن ومع تفكك بنية الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية ودخول العالم قطبية جديدة، ميزتها الحرب الباردة وصراع الشرق والغرب وانقسام أوروبا، باتت الهجرة الاقتصادية من الجنوب إلى الشمال واقعا قائما تطور إلى ظاهرة واسعة لم تقتصر على فئات ولا مناطق محددة.
هكذا انتقل المسلمون إلى أوروبا من بلدان وثقافات وقوميات مختلفة، وكان قدوم أوائل المهاجرين للعمل بمجالات الصناعة والبناء وغيرها، هذه الحقبة التأسيسية التي لم تكن مدركة بعمق صراع الهويات وتداعياته، أصبحت مع الأجيال اللاحقة للمهاجرين الأكثر وعيا اجتماعيا وفكريا بمفارقات المكان والزمان وبمفارقات الثقافة، وبصراع الأنا والآخر، لتغرس لدى فئات كثيرة منها شعورا بالاغتراب، وإحساسا سلبيا بغياب الانتماء، عززته الممارسات العنصرية المتصاعدة وبروز ظاهرة الإسلاموفوبيا.