لو كانت عقلية الجهات المنظمة لمباراة كرة القدم بين منتخبي الكويت والعراق، التي أقيمت مؤخراً ضمن التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026، بعقلية دول الجوار وعلى رأسها قطر التي نظمت فعاليات كأس العالم بكل نشاطاته وإجراءاته التي حضر فيها 3.4 ملايين مشجع، لو كان لدينا تلك العقليات في قطر لتجنبنا العشوائية وعدم التخطيط الذي لم يأخذ في حسبانه كل الأحداث والتوقعات والاحتمالات، ولم يرسم سيناريو تنظيميا متوافقا معها بعد أن يتم تأهيل فِرَق متخصصة تأهيلا تاماً مبنيا على أصول إدارية وفنية تكون قادرة على القيام بالمهام المختلفة باحترافية عالية، ويتم في هذا السياق الاستعانة بالفعاليات الحكومية وفعاليات القطاع الخاص ذات العلاقة، بعدها يتم عرض سيناريو للتنظيم على شكل فيلم افتراضي فيه كل التفاصيل والإجراءات على الأقل يكون محكوما بالدليل الإجرائي وفق المعايير العالمية.
فمثلاً كان من بداهات الأمور توقع عدد الجمهور وترقيم الكراسي والأخذ بأسلوب الحجز الإلكتروني كما هي حال تنظيم الحفلات الغنائية وحفلات التخرج حتى لا يحضر الجمهور قبل موعد المباريات بساعات لأن كل فرد ضامن لكرسيه، فلا يحدث التدافع والاختناق ودخول من لم يحجز تذكرة، وكان يفترض في الجو الحار جداً توفير الماء والمشروبات الباردة، ومن الواجب تركيب أجهزة التبريد التي ترش الرذاذ البارد على الجمهور، نعم لو حدث كل ذلك لتجنبنا حالات الاختناق والإغماء وتسلق الأسوار وحدوث الإصابات التي أظهرتنا بما لا يليق خصوصا أن الجمهور الكويتي أظهر الوفاء لفريقه بالرغم من تواضع أدائه، وبالرغم من درجة الحرارة التي قاربت الـ50 درجة مئوية، فتحمل العناء وحضر للمباراة ولبس الأطفال والشباب الفانلات الزرقاء مظهرين الحماس والحنين لتلك الأيام الخوالي التي كان منتخبنا فيها لا يُغلب، ولكن يا خسارة!! جاءت النتائج ليكون معها حال الجمهور الطيب كحال صاحبة المثل المصري «عشمني بالحلق خرمت أنا وداني» كانت والله مأساة مؤلمة وصفعة لفرحة الجمهور.
غرس العقلية الحالية وتمكينها من إدارة القطاع الإنتاجي للدولة سواء في قطاع الرياضة أو التعليم أو الصحة أو السكن أو الطاقة والمواصلات والبريد هو أساس المشكلة، فكل مرة ينشق أحد هذه القطاعات عن مأساة، خذ مأساة الكهرباء ومأساة التعليم مع بدء الفصل الدراسي الجديد ومشكلات الجاهزية، ومشكلة استنفار الأمهات لتدريس الأطفال في ظل نظام تعليمي تلقيني غير متطور وغير متسق مع الأساليب الجديدة، كما ذكرنا سابقاً الأسلوب الفنلندي الذي يرجع تفوقه على دول العالم كما قالت وزيرة التعليم لديهم الى عدم وجود واجبات منزلية لترك مساحة للطفل كي يلعب!!
إذاً لو أخذنا بالمنهج الفنلندي لتبخر شقاء الأمهات والأطفال ولتطور التعليم بكل مكوناته وكوادره وزالت الدروس الخصوصية وبيع الأبحاث والملخصات، ولو أخذنا بالتجربة السعودية في توفير السكن لحصل المتزوج على منزله خلال أسبوع كما قال أحد المسؤولين السعوديين، وقد ذكرنا في مقالات سابقة أن الأخذ بالنموذج السعودي للمدن الإسكانية فضلا عن رفاهية المدن بالحصول على السكن ممكن، بحيث يكون فور الزواج والقسط الشهري 190 ديناراً وتكلفة بناء 100 ألف وحدة سكنية سيكون 3 مليارات دينار شاملة الاستصلاح والبنية التحتية بدل 11 مليارا، ولرفعنا مآسي الإيجارات المرتفعة وبناء المتقاعدين الأدوار لأبنائهم وأخذ القروض المرهقة، وفي الصحة لو تم توفير تأمين صحي لكل مواطن بقيمة 1200 دينار لتطورت الخدمات الصحية وزالت كل سلبيات المواعيد الطويلة والتزاحم ورداءة الخدمات وضعفها ولوفَّرت الدولة 500 مليون.
هذه أمثلة المآسي التي يتجرعها المواطن بسبب وجود العقلية التي تدير أنشطة المجتمع في إطار فلسفة الاحتكار الحكومي للقطاع الإنتاجي... جاءت الأحداث في استاد جابر الرياضي كي تشير بقوة إلى سبب الأسباب، فهل يتم استئصال السبب؟