السلطة التنفيذية هي الجهة الرسمية المنوط بها خدمة المواطنين من خلال مؤسساتها، في حين السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الأمة هي الجهة الرسمية المنوط بها الدفاع عن حقوق المواطنين أمام الحكومة، والعمل على رقابة أداء هذه الحكومة ومحاسبتها عند أي قصور في الأداء، ولهذا نصت المادة (108) من الدستور على أن «عضو المجلس يمثل الأمة بأسرها ويرعى المصلحة العامة، ولا سلطان لأي هيئة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه»، كما نصت المادة (110) منه على أن «عضو مجلس الأمة حرٌّ فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال».
أما السلطة القضائية فهي الجهة الرسمية التي يلجأ إليها المواطن عندما تفشل السلطتان التنفيذية والتشريعية في تحقيق تطلعاته ورغباته، ولهذا نصت المادة 50 من الدستور على أن «نظام الحكم يقوم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصاتها المنصوص عليه في هذا الدستور».
من هذه المواد الدستورية يتبين لنا قوة ومكانة، وأحياناً سطوة، عضو مجلس الأمة أمام الحكومة في فرض آرائه ودفاعاته عن مظلومية المواطن، كونه هو الذي يشرع القوانين الواجب تطبيقها من الحكومة، وكذلك من السلطة القضائية على أرض الواقع، هذا بالطبع بالنسبة إلى البرلماني البار بقسمه والمخلص في تأدية وظيفته على أكمل وجه، والصادق في خدمة المواطنين جميعاً دون النظر إلى انتماءاته القبلية أو الطائفية أو الاجتماعية.
أما بالنسبة إلى البرلماني المنحرف فحدّث ولا حرج، وهو ما استدعى أخيراً حل مجلس الأمة، بعد تكاثر شكاوى المواطنين ضد غالبية أعضائه، والكل يتساءل اليوم: لمن يوجه المواطن شكواه بعد زوال مجلس الأمة الذي كان بمنزلة همزة الوصل بين المواطن والحكومة؟ وهل يستقيم الأمر مع حكومة هي الخصم وهي الحكم في الوقت نفسه؟ و«إِلى من أشتكي ولمن أناجي، إِذا ضاقت بما فيها الصدور»؟
كلنا نعرف أن هناك صندوق شكاوى مقفل يتصدر مدخلكل وزارة أو كل دائرة، حيث يضع بداخله المراجعون والموظفون شكاوى ضد أحد العاملين في هذه الوزارة، أو مقترحات لتطوير أداء الموظفين، ومثل هذه الصناديق هي من مستلزمات الزينة، أو «الشحاطة»، أو كما يسميها رجال الأعمال (Window Dressing)، لأنني لا أذكر أنه في يوم من الأيام تم فتح أي من هذه الصناديق أمام أعين كبار مسؤولي الوزارة المعنية لاستخراج خطابات الشكاوى لقراءتها بحضور المشكو في حقهم، أو لمجرد الادعاء بأنهم سينظرون في أمر هذه الشكاوى، أو أن هذه الشكاوى أخذت مأخذ الجد، أو وجدت طريقها نحو التنفيذ، تماماً كديموقراطيتنا والحرية التي نفاخر بها أمام الآخرين، في حين واقع الحال أن هناك قوانين عدة تمزق جسد هذه الحرية إلى أشلاء.
وإذا كنا نؤمن بأن الشكوى لغير الله مذلة، فكيف لنا أن نشكو عند جهة هي الخصم قبل أن تصدر هذه الجهة أي حكم؟ ولأن الواقع والمنطق يؤكدان أنه لا توجد حكومة واحدة تتميز بأنها مخلصة في عملها 100%، وإلا لما كان هناك برلمان في أعرق الديموقراطيات لمراقبة ومحاسبة هذه الحكومات، وإذا كان مجلس الأمة معطلاً بمرسوم أميري، أتساءل عما إذا كان بالإمكان إيجاد هيئة أو مؤسسة أو ديوان لنطلق عليه «ديوان المظالم» ليحل محل مجلس الأمة مؤقتاً، ولينظر في شكاوى المواطنين ضد الحكومة؟ والله الموفق.