يؤسفني وضع الأطفال في زمننا، فهم يعيشون حياة «مبرمجة» منذ لحظة ميلادهم، حيث تسميم أجسادهم وإضرارها بذلك الكم الهائل من الحلويات المصنعة المليئة بالأصباغ والمواد الحافظة، وذلك على الرغم من وجود الكثير من البدائل الصحية ذات الطعم الرائع، لكن التعود والاستجابة للضغط الاجتماعي كثيراً ما يمنع الأبوين من اتخاذ اللازم بشأن التغذية السليمة لأبنائهم.

وأما برامج الأطفال وأفلام الكرتون فقد أصبحت تفتقر إلى الكثير من الأساسيات من المحتوى الممتع والمفيد ذي القيمة الجمالية، فغالبية أفلام الكرتون الحالية صنعت بأقل جودة وبألوان صارخة غير متناسقة تؤثر سلباً على ذائقة الطفل ولا تحمل أياً من القيم السامية التي نشأنا عليها من برامج الأطفال عندما كنا صغاراً.

Ad

أما الأدهى والأمرّ من ذلك كله فهو الأجهزة الإلكترونية كالهواتف و«الآيباد» التي أصبحت حلاً سهلاً «لإسكات» الأطفال لكنها ذات مضار عديدة، حيث يصعب فيها مراقبة ما يتلقاه الطفل من محتوى في فضاء الإنترنت المفتوح الذي قد يسلب براءته، ذلك ناهيك عن الأضرار الصحية كضعف النظر وقلة الحركة في طور النمو مما يسبب الكثير من الأمراض كالسمنة وضعف المفاصل، بالإضافة إلى الخطر الأكبر الكامن في إضعاف القدرة الذهنية وتشتيت التركيز، فاللعب بمختلف الدمى بلا شاشة يقوي ملكة الخيال والإبداع لدى الطفل وله العديد من الفوائد للتطور الذهني والاجتماعي.

وبالتأكيد فإن للـ«آيباد» مزايا وفوائد أيضاً، لكن مضاره تفوقها بكثير برأيي، لذا فإن الأفضل تقنين مدة استخدام هذه التكنولوجيا، وأرى أنه لا ينبغي للأطفال أن يكون لديهم حسابات تواصل اجتماعي، حيث إن أغلب محتواها مخصص للكبار،

وللأسف فقد أصبحت المرأة الحديثة تقضي وقتاً أقل فأقل مع أطفالها سواءً بسبب الكسل أو الانشغال بالعمل، فيتم تسليم الطفل للمربية تماماً، ثم تقوم بكل تلك الأنشطة التي تبني العلاقة الحميمة بين الأم وطفلها من إطعام وتنظيف ولعب، وأرى أن مشهد المربية وهي تجري خلف الأطفال في مجمعات التسوق في حين «تتمشى» الأم دون أي اكتراث منظر غير حضاري إطلاقاً، وكون المربية لا تستطيع أن تقول للطفل كلمة «لا» كالأم سواء أكان بدافع الخوف أو الكسل يخلق طفلاً أنانياً أفسده الدلال لا يعرف مبدأ الحدود والعواقب لتصرفاته.

وللاختصاصية النفسية «إيريكا كوميسار Erica Komisar» كتاب رائع بعنوان «being there- كوني هنا» يتناول أهمية أن تكون الأم حاضرة تماماً خصوصاً في السنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل، وإعطاء الأمومة والطفل الأولوية التي يستحقانها، ولها العديد من الحوارات الثرية التي يمكنكم مشاهدتها على منصة «يوتيوب».

لقد أهملنا الطفل وتركنا الطفولة بلا حام، فلاعجب أن نرى الجيل الجديد متخبطاً بلا بوصلة أخلاقية أو أهداف سامية واضحة، نحن لا نعامل الأطفال كبشر كاملين يستحقون الاحترام وتخصيص الوقت الكافي، فكيف نتوقع أن يعاملونا عندما تتقدم بنا السن ونصبح بحاجتهم؟