عُرف الخليفة الرابع، علي بن أبي طالب، رضي الله عنه وأرضاه، بزهده، وعدله، وذكائه، وفطنته، وسرعة بديهته، كما عُرف بفصاحته، وحكمته، وشعره الإعجازي، وأقواله المأثورة، وفقهه، فاستعان به الخلفاء أبوبكر وعمر وعثمان، رضي الله عنهم جميعاً، في القضايا العصية على الحل، هذا إلى جانب شجاعته وقوته، فهو أول فدائي في الإسلام، وهذا ما اتفق عليه كل المسلمين.

وهناك أمثلة على عبقرية علي لا بأس من إعادة ذكر بعضها، لطرافتها وغرابتها، فقد حل معضلات في الحساب حيَّرت مَنْ كان في زمانه، فحصل أن عُرضت عليه قضية لثلاثة رجال تنازعوا على كيفية قسمة جمالهم السبعة عشر بينهم، والتي امتلكوها بنسب متفاوتة، فامتلك الأول نصفها، والثاني ثلثها، أما الثالث فقد امتلك التُسع منها، وكان الحل الوحيد أمامهم إما أن يبيعوا أحد جمالهم، أو يذبحوه ليتمّوا حسبتهم.

Ad

فما كان من سيدنا علي إلا أن أضاف جمله إلى جمالهم، حتى يصبح عددها ثمانية عشر، ثم قال لصاحب نصف الجمال: كم هو سهمك من الجمال؟ فرد قائلاً: ثمانية ونصف بعير، فسأله: وهل ترضى إن أعطيتك تسعة؟ فقال الرجل: كيف لا أرضى بذلك، فإنه أكثر من سهمي، فأعطاه التسعة جمال، ثم سأل صاحب الثُلث: كم هو سهمك من الجمال؟ فرد قائلاً: إنها أقل من ستة، فسأله: وهل ترضى إن أعطيتك ستة؟ فرد الرجل قائلاً: كيف لا أرضى بذلك، فإنه يزيد على سهمي، فأعطاه الستة جمال، ثم سأل ثالثهم: كم هو سهمك من الجمال؟ فقال: إنها أقل من بعيرين، فسأله: وهل ترضى إن أعطيتك بعيرين؟ فرد قائلاً: وكيف لا أرضى بذلك، فأعطاه بعيرين، فكان مجموع ما أعطاه لهم سبعة عشر بعيراً، أما علي فقد ركب بعيره ومضى.

وقام أيضاً بحل معضلة عُرفت بالقضية الدينارية أو الركابية أو بالشاكية، فقد قيل إن امرأة مضت إلى الخليفة علي تشتكي شريحاً القاضي، فوجدته راكباً، فأمسكت بركابه، وقالت: إن أخي توفي وترك لنا ستمئة دينار، فأعطاني شريح ديناراً واحداً، فقال لها علي: لعل أخاك ترك زوجة، وأماً، وابنتين، واثني عشر أخاً، وأنت؟ قالت: نعم، فقال علي: ذلك حقك، ولم يظلمك شريح بشيء، فقد أعطاك القاضي حقك كاملاً، فللزوجة الثُمن، وللأم السدس، وللبنت الثلث، والباقي 25 ديناراً قسِّمت بينك وبين إخوانك، فللذكر مثل حظ الانثيين.

فرحم الله الخليفة علي بن أبي طالب، الشهيد أبا الحسنين الشهيدين.