ما قل ودل: جوهر الحكم في الإسلام في الأحاديث النبوية في ذكرى مولد النبي
أكثر من مليار و200 مليون مسلم تهفو قلوبهم جميعاً إلى زيارة قبر رسول الله (ﷺ)، وتهوي أفئدتهم رغبة في أداء فريضة العمرة أو فريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلا.
وفي سياق ذكرى مولد الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يصادف يومنا هذا رأيت أن أفرد بعضاً من سيرته في هذا المقال ولن أستطيع أن أوفي هذه السيرة حقها ولو في مجلدات، لذلك رأيت أن أكتفي في ذكرى مولد سيد الخلق جميعاً ورسول دين الحق بالتذكير بما روي عنه في أحاديثه عن جوهر الدين في المبادئ التي نزل بها القرآن في الحكم، وهي مبادئ الشورى والعدل والحرية والمساواة فيما يلي:
مبدأ الشورى
نزل القرآن وحده من بين الأديان السماوية جميعاً بمبدأ الشورى في الحكم، فهو وحده من بينها الذي جاء عقيدة وشريعة في قوله سبحانه: «وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ» (سورة الشورى - 38)، ويستمد من مبدأ الشورى مبدأ سيادة الأمة، سادتها وأشرافها وعبيدها ورقها، وهو المبدأ الذي لم تعرفه البشرية إلا في القرن السادس عشر، على يد مفكريها منقوصاً وقصرا على السادة منها، في الثورة الفرنسية (1789) وهو المبدأ الذي ينفتح على كل الأنظمة الديموقراطية المباشرة وغير المباشرة.
وفي هذا السياق يقول النبي (ﷺ): «ما خاب مَن استشار، ولا ندم مَن استخار»، فعن أبي هريرة قال: «ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله ﷺ»، بالرغم من أن المولى عز وجل اختصه بحكم خاص، قيد به هذا المبدأ الذي يقوم أصلا على حكم الأغلبية والكثرة، والإجماع هو المصدر الثالث من مصادر التشريع، بعد القرآن (المصدر الأول) والسنّة النبوية (المصدر الثاني)، ذلك الحكم الخاص هو قول المولى تعالى: «فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» في عجز الآية والأمر الإلهي الذي أنزله الله على الرسول، في قوله سبحانه: «وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ»، وقد اختصه الله بهذا الحكم، وهو النبي الذي يوحى إليه، وهو الصادق الأمين، قبل نزول الوحي عليه وبعده، وقد كان قدره أن يجمع بين السلطتين الدينية والمدنية، لنشر الدعوة الى دين التوحيد، بالحروب التي خاضها (29 حرباً)، وبالجيوش التي جهزها والتي خاصت الفتوحات بعد وفاته، في عهد سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما، ومع ذلك فإن الرسول (ﷺ) كان لا يعمل بهذه الرخصة، إلا في أضيق الحدود، ويعمل برأي أصحابه.
الحرية
ويتفرع من مبدأ الشورى الحرية بكل أنواعها وألوانها من حرية شخصية إلى حرية الفكر والرأي وحق التعبير عنه وهو مجال لا يتسع المقال له، ولكن ما أردت أن أوفيه هو الدفاع المقدس عن الحريات الذي تبناه رسول الله (ﷺ) فقد كان الرسول شديد الاحترام للفرد في حريته وكرامته فيقول (ﷺ) «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه»، وفي حديث آخر «من أعطى الذلة من نفسه طائعاً غير مكره فليس منا» ويقول «منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ».
وقد كان الرسول (ﷺ) يرى في قداسة دفاع المرء عن حقوقه وحرياته أن ينقض على الظالم قبل أن ينزل الظلم بساحته، فيقول في حديثه الشريف: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده»، ويقول (ﷺ) «ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون أن يغيروا عليه، ولا يغيرون إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا».
العدل في السنّة النبوية
يقول (ﷺ) «عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة» ويقول: «جور (ظلم) ساعة في حكم أشد وأعظم عند الله من معاصي ستين سنة»، ويقول (ﷺ) «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ، (أولهم) إمام عادل»، ويقول (ﷺ) «إن المقسطين (العادلين) عند الله على منابر من نور»، ويقول (ﷺ) «أهل الجنة ثلاثة (أولهم) ذو سلطان مقسط (عادل)»، ويقول الرسول (ﷺ) «ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام»، ويقول (ﷺ) «ما من أمير إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه إلا العدل»، ويقول (ﷺ) «إنَّ الله ليُمْلِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته»، ويقول المولى عز وجل: «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ». (سورة هود - 102)، ويقول (ﷺ) «إن أحبّ الناسِ إلى الله يومَ القيامةِ وأقربهُم منِّي مجلِسًا إمامٌ عادلٌ، وأبغضُ الناسِ إلىّ اللهِ يومَ القيامةِ وأشدهُم عذابا إمامٌ جائرٌ».
العمل بالسنّة النبوية
والعمل هو أساسي نهضة الأمم والدول والحكومات يقول الرسول (ﷺ) «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده»، ويقول (ﷺ) «لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ على ظهْرِهِ فيأتي بحزمةٍ منَ الحطبِ فيبيعُها فيكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ مِنْ أنْ يسألَ الناسَ أعطوْهُ أوْ منعوهُ»، ويقول (ﷺ) «من أمسى كالاً (متعباً) من عمل يده أمسى مغفوراً له».
وقد رأى أصحاب الرسول (ﷺ) رجلاً قوي البنيان شديد النشاط فتساءلوا لو كان هذا في سبيل الله (لنصرة الدين في الحرب) قال الرسول (ﷺ): «إن كان خرج يسعى على ولده صغارا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها، فهو في سبيل الله».
وقدم على رسول الله قوم يقولون إن واحداً منهم يصوم النهار، ويقوم الليل، ويكثر الذكر فسألهم الرسول، أيكم يكفيه طعامه وشرابه فقالو له، كلنا فقال (ﷺ): «كلكم خير منه»، وغني عن البيان أن الكسب من العمل لا يكون كسباً حلالاً إلا إذا كان كما قال الرسول (ﷺ) «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، وقوله (ﷺ): «خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح» وقوله (ﷺ): «من غشنا فليس منا».
الخالدون مئة... أعظمهم محمد
أهيب بكل مسلم أن يقرأ ما كتبه العالم الفلكي الرياضي الأميركي مايكل هارت الذي يعمل في هيئة الفضاء الأميركية عن سيدنا محمد في كتابه «المئة: تقويم لأعظم الناس أثراً في التاريخ»، والذي أقام اختياره للمئة العظماء على عدة أسس من بينها أن يكون عظيم الأثر في التاريخ، وأن يكون أثره عالمياً وليس أثرا إقليميا، وأن يكون هذا الأثر متجددا على تاريخ الإنسانية، ومن هنا اختار سيدنا محمد (ﷺ)على رأس قائمة الخالدين المئة، باعتباره أعظمهم، وجاء إسحاق نيوتن في الترتيب الثاني وجاء سيدنا عيسى في الترتب الثالث وجاء سيدنا موسى في الترتيب السادس عشر، ولم تخل قائمته من أرباب الديانات غير السماوية، مثل بوذا وكونفوشيوس وغيرهم.
ولي رجاء من صحيفة الجريدة الغراء أن تنشر مقال مايكل هارت، عن الرسول على صفحة الرؤى كما جاء في كتابه الذي ألفه عن المئة العظماء الأكثر أثراً في التاريخ.
«المساواة والإخاء في السيرة النبوية» هي ما سنفرد لها مقالاً في قادم الأيام، إن كان في العمر بقية.