من الواضح أن قرار وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلغاء نحو 10% من تراخيص التصدير البريطانية للأسلحة الموجهة للجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الإسرائيلية قد أحدث ضجة كبيرة بين إسرائيل وأصدقائها في بريطانيا، فقد قررت وزارة الخارجية أن هناك «خطراً واضحاً من أن المعدات [المصنوعة في بريطانيا] قد تُستخدم في انتهاك القانون الدولي».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف قرار بريطانيا، الذي جاء بعد أيام فقط من إعدام «حماس» ست رهائن، بأنه «مخزٍ»، وأشار إلى أن هذا القرار سيشجع «حماس»، وأنه يعادل تجاهل مصير المواطنين البريطانيين-الإسرائيليين الذين قتلوا في السابع من أكتوبر 2023. وسط الغالبية البرلمانية الكبيرة التي يقودها كير ستارمر، كان صمت نواب المقاعد الخلفية لافتاً، يبدو أن مجموعة «أصدقاء إسرائيل من حزب العمال»، والمنتقدين الشرسين لإسرائيل بسبب الحرب في غزة، يتجنبون إضعاف الحكومة بتوجيه انتقادات لها في فترة مبكرة من حكمها. كانت الأسابيع الأخيرة صعبة على رئيس الوزراء، فقد فشل في الاستمتاع بفترة «شهر العسل» السياسي التي عادة ما ترافق بداية أية ولاية جديدة، فأدى التراجع عن بعض التعهدات التي قطعها قبل الانتخابات، بما فيها خفض مدفوعات الوقود الشتوية للمتقاعدين، إلى تراجع شعبيته، وحتى تعامله الصارم مع أعمال الشغب لم يسلم من الانتقادات اللاذعة، إذ وُجهت له اتهامات بتطبيق سياسات شرطية «ذات معايير مزدوجة»، وبخاصة في كيفية تعامل الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل مقارنة بالاضطرابات المعادية للمهاجرين.

Ad

لكن لماذا، إذاً، اختارت حكومة ستارمر الآن اتخاذ قرار بارز بفرض عقوبات على إسرائيل؟

من السهل انتقاد رئيس الوزراء وتلقيبه بـ«كير ذي المعايير المزدوجة»، لكن هذا يتجاهل حقيقة أن ستارمر كان طوال مسيرته المهنية متمسكاً بفكرة القانون الدولي وضرورة التزام الحكومات به، فبعد أسبوعين فقط من توليه المنصب، أكد لمجلس العموم التزامه الثابت بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، قائلاً للنواب «لن ننسحب أبداً من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان».

دعم رئيس الوزراء المحكمة الجنائية الدولية، وهي المؤسسة التي روج لها طوني بلير قبل خمسة أعوام من غزو العراق. بالنسبة إلى ستارمر، فإن مؤسسات مثل المحكمة الجنائية الدولية وشقيقتها، محكمة العدل الدولية (ومقرها في لاهاي أيضاً)، تمثل أدوات قضائية أساسية لفرض حقوق الإنسان وحمايتها.

وعلى عكس الولايات المتحدة، فإن المملكة المتحدة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، وفي حال إدانة بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين كبار آخرين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، يمكن تحميل بريطانيا- وخصوصا المسؤولين والوزراء البريطانيين- مسؤولية مشتركة عن أي أعمال تُنفذ باستخدام ذخائر أو مكونات أو منصات بريطانية الصنع. أقر وزير الدفاع جون هيلي، إن الحكومة البريطانية تخشى من أن صادراتها ربما «تخرق» القانون الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية، لذا، حتى إن ظل «التزامنا بالدفاع عن إسرائيل» قائماً في حال تعرضها للهجوم من إيران، فإن بعض الصادرات تبقى محفوفة بالأخطار، وهذا أقل ما يمكن قوله.

يعد قرار الحكومة البريطانية مزيجاً من المبادئ والمصالح الشخصية، لكن المشكلة تكمن في أن نطاق تطبيق القانون الدولي والمحاكم، الذي يحظى بإعجاب ستارمر، يقتصر فقط على البلدان التي تختار قبوله.

رأينا بوتين أخيراً يقوم بزيارة رسمية إلى منغوليا، على رغم أنها خاضعة لولاية المحكمة الجنائية الدولية وأن بوتين يواجه تهماً بجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا. منغوليا، التي تخشى إغضاب جارتين قويتين هما روسيا والصين، اللتان ترفضان اختصاص المحكمة وتسيطران على حدود منغوليا واستيرادها للطاقة وتجارتها، تفضل الحفاظ على علاقاتها معهما.

هذه هي الحقيقة القاسية للقانون الدولي، فهو ذو معايير مزدوجة.

كما علمنا المؤرخ اليوناني العظيم ثوسيديدس قبل 2500 عام، فإن الأقوياء يفعلون ما يشاؤون، والضعفاء يتحملون ما يفرض عليهم، إلا إذا تدخلت قوة عظيمة أخرى، ولا تمتلك بريطانيا مثل هذه القوة، أما الولايات المتحدة، فهي ليست في وارد استخدام قوتها في معارك وهمية من أجل العدالة قد تكلفها الكثير وقد لا تنجح فيها.

تتحدث الولايات المتحدة عن نظام دولي قائم على القواعد بصورة متكررة أكثر من حديثها عن القانون الدولي ذاته، واشنطن هي من تقرر ما القواعد وتطبقها على حلفائها، وبخاصة إسرائيل، بناءً على حسابات سياسية ومصالح وطنية لا على أساس العدالة المطلقة، ربما لا يمكن أن تكون الأمور غير ذلك.

وفي جميع الأحوال، فإن الجدل القانوني الذي يقول إن «حماس» ليست حكومة معترفاً بها لذا لا تخضع لقسط كبير من القانون الدولي يبدو سطحياً أمام الحقائق القاسية.

إذاً، هل قرار حكومتنا مجرد استعراض سياسي؟ يبدو أن الإجابة تتوقف على الطرف الذي تعتقدون أن هذه الإيماءة موجهة إليه.

بالتأكيد إنه ليس بنيامين نتنياهو، الذي يسعى من خلال ضجيجه إلى حشد الرأي الإسرائيلي خلفه، ولا وزارة الخارجية، التي لا تعتقد حقاً أن هذه الوخزة البريطانية الخفيفة ستؤثر في قرارات الاستهداف التي يتخذها الجيش الإسرائيلي.

تكمن المشكلة في أن قرار الحكومة هو في الحقيقة سياسة استعراضية تهدف إلى إرضاء الذات، ويظهر ستارمر فضائله، لكن لا يبدو أن أحداً ممن يمتلكون السلطة يولي اهتماماً كبيراً لهذا الأمر.

* مارك ألموند مؤلف بريطاني ومحاضر سابق في التاريخ الحديث في كلية أورييل بجامعة أكسفورد