«عافية» والعهد الجديد وفرصة الإصلاح الشامل

نشر في 16-09-2024
آخر تحديث 15-09-2024 | 19:52
 محمد الجارالله

يمثل العهد الجديد فرصة حقيقية لمعالجة الاضطراب المؤسسى وفقدان الرؤية الإستراتيجية لتقديم الرعاية الصحية في وزارة الصحة، ويأتي تأمين «عافية» كجزء من هذا السياق العام، الذي يتطلب التفكير العميق والتقييم الموضوعي.

من الجوانب الإيجابية لتأمين «عافية» توفير خيارات متنوعة للمتقاعدين للحصول على أفضل الخدمات الصحية المتاحة داخل البلاد، مما يحميهم من الانتظار الطويل في المستشفيات الحكومية لمواعيد الأشعة أو العمليات أو حتى مقابلة الاختصاصيين، كما يُعد من مزايا «عافية» النظرية تخفيف الضغط على المستشفيات الحكومية وتحسين جودة الخدمة، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.

إلى جانب ذلك، يعكس استمرار برنامج «عافية» اعتزام الحكومة على الوفاء بعقودها المالية مع قطاع التأمين، مما يعطي صورة إيجابية عن الدولة ويحمي سمعتها الخارجية في حالة إلغاء هذه العقود دون سند قانوني، وهو الأمر الذي لم يحدث.

على الجانب الآخر، فإن الإلغاء يوقف الهدر المالي الناتج عن الازدواجية في تقديم الرعاية الصحية، الذي يزيد التكاليف دون تقديم خدمات إضافية حقيقية. كما أن الإلغاء يعزز المساواة بين المواطنين، فهناك فرق بين متقاعد يبلغ من العمر خمسة وأربعين عاماً ويتمتع بالتأمين، وبين موظف يبلغ من العمر خمسين عاماً ولا يزال يعمل وينتج ولكنه لا يتمتع بالتأمين. كذلك من إيجابيات الإلغاء أنه فرصة لإعادة هيكلة النظام الصحي الحالي، الذي أثبت عدم فعاليته بالكويت والخليج، والذي لا تزال الإدارة الصحية متمسكة به.

من حيث المبدأ، يمكن القول إن قرار إلغاء «عافية» كان حازماً أمام تردد الشركة، ولكنه بالتأكيد لم يتم بصورة مؤسسية وشفافة، إذ لم يخضع لدراسة متأنية، ولم يُعتمد من خلال مجلس الوكلاء والاستشاريين، كما لم يُعرض بشكل كافٍ في وسائل الإعلام أمام أصحاب الشأن والمجتمع وبفترة كافية. ولم تُراعَ الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليه بشكل كامل.

ومع ذلك، يمكن النظر إلى إلغاء «عافية» بإيجابية إذا كان جزءاً من استراتيجية موسعة تهدف إلى تنظيم عملية الرعاية الصحية الشاملة في البلاد، بحيث تشمل تحت مظلتها جميع فئات المجتمع دون تمييز بين شركات نفطية أو عسكريين أو أكاديميين أو متقاعدين أو غيرهم. وتشير التجارب الدولية إلى أن الأنظمة الأكثر فاعلية وكفاءة واستدامة هي تلك التي توحد تقديم الخدمات وتحسن من جودتها وكفاءتها بدلاً من تقديم خدمات مكررة ومجزأة.

وبناءً على ما سبق، نأمل من مجلس الوزراء في العهد الجديد، ونحسبه قادراً ومطلعاً، أن يتخذ خطوة حاسمة نحو تطوير نظام صحي موحد ومستدام، يستند إلى أسس علمية وإدارية واضحة، مع الأخذ في الاعتبار جميع المعطيات الاقتصادية والاجتماعية التي تحقق مصلحة المواطن الكويتي في المقام الأول.

* وزير الصحة الأسبق

back to top