تعيش الساحة الصحية في الكويت حالة من الترقب بشأن مصير مستشفيات «ضمان»، التي كان يُفترض أن تكون خطوة مهمة نحو تحسين الرعاية الصحية للمواطنين والمقيمين.
تم تأسيس هذه المستشفيات بموجب قانون صدر عام 2014، يهدف إلى نقل نحو مليونَي وافد تدريجياً من عباءة وزارة الصحة إلى مستشفيات «ضمان». ومع ذلك، يبدو أن هناك تخوفاً من قِبل وزارة الصحة من تنفيذ هذه الخطوة، حيث تشير تصريحات الوزارة إلى عدم رغبتها في فتح هذه المستشفيات تحت إدارة الهيئة العامة للاستثمار والشريك الاستراتيجي.
هذا الموقف يثير تساؤلات حقيقية حول الأسباب الكامنة وراء هذا التحفظ. الحجج الرسمية للوزارة تشير إلى وجود خلاف قانوني بين هيئة الاستثمار والشريك الاستراتيجي، لكن الحقيقة أن هذا الخلاف لا يعني وزارة الصحة من قريب أو بعيد. والأهم من ذلك، لم يظهر أي مسؤول في الوزارة ليشرح موضوع «ضمان» بشفافية لوسائل الإعلام وأصحاب الشأن.
تصريحات رئيس مستشفيات «ضمان»، السيد البسام، أوضحت أن المستشفيات جاهزة لفتح أبوابها واستقبال المرضى، وكل ما يتطلبه الأمر هو موافقات وزارة الصحة ودعمها الحقيقي، إضافة إلى إزالة العراقيل التي وضعتها الوزارة منذ سنوات. وعلى الرغم من هذه الجاهزية، يبقى السؤال مُعلقاً: لماذا تتردد الوزارة في فتح مستشفيات «ضمان»؟
من المؤكد أن خروج مليونَي وافد من مظلة وزارة الصحة سيؤدي إلى تقليص كبير في ميزانيتها وفي أرباح الشركات التجارية المستفيدة، الأمر الذي سيحد من الصلاحيات التقليدية للمسؤولين في الوزارة، ويدفعهم نحو نمط جديد من الإدارة يشبه النظام المتبع في السعودية والإمارات، حيث تُدار المستشفيات الحكومية بواسطة شركات حكومية مستقلة عن الوزارة، وتصبح الوزارة مسؤولة فقط عن التنظيم والمراقبة، وليس الإدارة اليومية للمستشفيات.
إن افتتاح مستشفيات «ضمان» قد يمثل بداية مرحلة جديدة في النظام الصحي الكويتي، وهو هدف لا يمكن تحقيقه إلا من خلال نقاش صريح وشفاف تشترك فيه جميع الأطراف المعنية، وليس من خلال قرارات تُتخذ في مكاتب مغلقة.
من منظور استراتيجي، ينبغي للحكومة أن تتبنى نهجاً شاملاً في نقل القرار الاستراتيجي الصحي من وزارة الصحة أو أي جهة حكومية فردية إلى مجلس الوزراء ككيان أعلى، وهو خطوة مهمة نحو تعزيز الحوكمة الرشيدة على غرار ما هو معمول به في دول الخليج. في هذا السياق، لا نجد فرصة أفضل من العهد الجديد لتأسيس «المجلس الأعلى للصحة»، كما هو معمول به في معظم بلدان العالم المتقدم ودول الخليج كذلك، وهو كيان يضم كل الأطراف المعنية من وزارة الصحة، والنفط، والقطاع العسكري، والتأمينات، والقطاع الخاص، وغيرها. ينبغي أن يُمنح هذا المجلس صلاحيات اتخاذ القرارات الاستراتيجية المتعلقة بالنظام الصحي في الكويت، ويجب أن يكون تحت إشراف مجلس الوزراء، مما يضمن التنسيق والتعاون بين كل الجهات، ويسهم في وضع سياسات صحية فعَّالة ومتكاملة لا تتغيَّر بتغيُّر وزراء الصحة بأشخاصهم.
نتمنى أن تتخذ وزارة الصحة موقفاً متجرداً في دعم هذه الخطوة. إن لم يحدث ذلك، فستظل المستشفيات مرتعاً للبيروقراطية وتأخر الإدارة الحكومية.
*وزير الصحة الأسبق