أذكر مع بداية تزايد الاعتماد على المعاملات الإلكترونية، وقبل ظهور تطبيق «سهل»، مقولة كان يرددها أحد المخضرمين في عالم العمل الحكومي، هي «الورق يخب علينا» وتعني أن المعاملات الورقية تكفينا وزيادة لإنجاز العمل ولا داعي لتضييع مصالح الناس مع موظفين سيبقون على حالهم من التراخي والإهمال.

كنت كغيري من المتحمسين وما زلت لزيادة الاعتماد على المعاملات الإلكترونية وآخرها إمكانية نقل ملكية سيارة دون الحاجة لحضور البائع والمشتري للتوقيع على أوراق تلك العملية، ولكن التجارب الشخصية ومتابعة تجارب الآخرين في مجال التحول الرقمي نقلتني إلى مستوى آخر من التفكير وتكوين نظرة مختلفة، جعلتني أنظر بشيء من القبول لمقولة «الورق يخب علينا» والتوقف عند منطقة تلاق تحقق الهدف الأكبر، وهو التحول الرقمي وفي الوقت نفسه تحفظ مصالح الناس من الضياع عندما يتدخل عامل الخلل الفني كما حصل في مطارات العالم أو «الهاكر» كما حصل مع وزارة الصحة مؤخراً.

Ad

التجربة التي عايشتها عن قرب عندما عادت ابنتي من جامعتها في إمارة الشارقة أواخر شهر فبراير 2020م، بسبب جائحة كورونا، لم يمض وقت طويل حتى تسلمت رسالة إلكترونية تفيد بمواصلة الدراسة عن بعد، لأن جامعتها بالأساس وضعت ذلك الخيار لوقت الحاجة وقد أتت، وبقيت ابنتي في الكويت عاماً ونصف العام وهي تدرس موادها من المنزل حتى زالت الغمة وعادت للدراسة حضورياً، لقد استفدت من التجربة السابقة وغيرها الكثير لخلاصة مفادها، أن بقاء الخيار الثاني جاهزاً وعلى قيد الحياة، يضمن استمرارية العمل عند وقوع الأحداث غير المتوقعة.

كصحافي كنت أرقب تجربة مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» التي أصدرت أول أعدادها في أكتوبر 1888م، في فتح أكثر من قناة تلفزيونية لها، وكل واحدة تسير في خط منفرد من عالم الحيوان إلى علوم الفضاء، وكأن المجلة تفتح لمواضيعها الورقية آفاقاً أرحب لأبوابها الثابتة، ناهيك عن الموقع الإلكتروني للمجلة ثم توجهها عام 2010م إلى الصدور باللغة العربية لمخاطبة العالم الذي يتحدث بتلك اللغة، ومع كل ذلك التطور لم تتوقف النسخة الورقية من المجلة العريقة وما زالت تصدر حتى اليوم.

إن ناشيونال جيوغرافيك درست السوق جيداً داخل أميركا وخارجها، وعرفت أن التطور المتسارع في نيويورك أو طوكيو لا يسير بالوتيرة نفسها في مدن وقرى ودول أخرى، وطالما أنها ناجحة ومطلوبة على اختلاف قوالبها الورقية والتلفزيونية والإلكترونية فلا ضير من الاستمرار طالما أنها لا تحقق أية خسائر.

في الختام، علينا دراسة تجربة «الهاكر» الذي عطل أنظمة وزارة الصحة وتطوير آليات الحماية من القرصنة لكل مواقع وتطبيقات الدولة الرسمية، لأن الاندفاع في التحول الرقمي ما لم يكن مدروساً ومحصناً سنجد أنفسنا في لحظة واحدة عاجزين كأعجاز نخل خاوية، بلا هوية ولا رصيد ولا قدرة على التواصل ولا أي شيء لأننا تخلصنا من الخيار الثاني.