الموت حق مهما طال عمر الإنسان أو قصر، فمصيرنا راحلون عن هذه الدنيا الزائلة، والغالبية منا لا تعرف قيمة الإنسان إلا بعد وفاته! فيبدأ البكاء والتشكيك بخبر الوفاة، وذكر محاسن المتوفى! ويصاب الإنسان أحياناً بالهول من كمية التقدير والمعزة التي يكنها المواطنون للفقيد، والذي قبل مماته كان منسياً ومركوناً في زاوية من زوايا الحياة!
يبدأ المعزون يتوافدون على المقبرة بأعداد مهولة حتى يخيل إليك أنه لم يبق بالبيوت إنسان! يبدأ البكاء وذكر محاسن الفقيد التي كانت خافية على أغلب المعزين! يبدأ البعض بحسن نية أو لكسب ود أهالي الفقيد بالتبرع لبناء مسجد أو مركز تعليمي أو تربوي للفقيد، ويبدأ السياسيون بطلب إطلاق اسم المرحوم على إحدى المدارس أو أحد المساجد أو على أحد الشوارع أو أحد المراكز العلمية أو الثقافية!
يعيش البلد أو المدينة، التي كان يسكنها الفقيد، الحزن مدة ثلاثة أيام تتناقل خبر وفاة الفقيد وخسارة البلد أو المدينة لهذا الشخص المهم بعد مماته! وعندما تتذكر مواقف الأصدقاء والأقرباء والساسة والمجتمع، قبل أسابيع أو أيام قليلة من وفاة الفقيد، تجد النسيان أو الانشغال أو عدم الاهتمام بالظروف الاقتصادية أو الحالة الصحية أو النفسية التي كان يعانيها الفقيد قبل وفاته هي الصفة التي يتصف بها أغلبية المتباكين عليه!!
أبناء وبنات وأقرباء الفقيد يفاجؤون بهذا التقدير الهائل له ويتمنون لو أنه حصل على1% فقط من هذا التقدير والتقديس قبل وفاته، لأن الفقيد نفسه قد أشعرهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة بتنكر الدولة وأصدقائه وزملائه لدوره وأهميته في المجتمع والحياة العامة، والتي كان في أشد الحاجة إلى الإحساس بها وسماعها قبل وفاته.
نحن شعب يقدس الأموات ويهمل الأحياء! وما دام هذا نهجنا وأسلوبنا في الحياة فكأننا من ينادي الأموات!! فهل يسمع الأموات مناجاتنا؟! ومن سخرية زماننا أننا لا نقدر جهود الأحياء المبدعين والموهوبين الذين لهم بصمة في المجتمع، بل نقزم جهودهم وإبداعاتهم ونلمع ونعظم المفلسين والمتسلقين، لذا أرى أن يتم تقدير الإنسان المبدع والمخلص من أصدقائه ومحبيه ومجتمعه وبلده قبل وفاته، أما أن يتم ذلك بعد وفاته، وإن كبر هذا التقدير، فإنه يأتي في غير وقته المناسب، ولن يحقق هدفه وسيذهب هذا الجهد والتقدير مع مهب الريح!
ودمتم سالمين.