تلقيت خبر وفاة المدير العام الأسبق لمعهد الكويت للأبحاث العلمية في نهايات يوم عمل كان إلى حد ما شبه عادي في غضون الأسبوع الماضي، لأدخل شخصيا في صدمة ما زلت لم أستفق منها بكامل الوعي والتركيز حتى اللحظة، وإذ أكتب هذه الكلمات والأحرف بحزن وأسى، لا يسعني إلا القول في هذا الموضع ما يرضي الله سبحانه وتعالى: «إنا لله وإنا إليه راجعون».
يسهل على أي كان أن يسرد ويتحدث عن د. ناجي محمد المطيري (رحمه الله) الباحث العلمي الذي سطر إنجازات عدة في مجاله، بالأخص معايير ومواصفات البناء للدولة، كما يسهل على أي شخص أن يستذكر ويمتدح (أبا عبدالله) المدير الذي تبوأ مناصب عدة داخل معهد الكويت للأبحاث العلمية ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي وصولا إلى مدير عام للمعهد صاحب رؤية ونظرة مستقبلية نوعية كانت سببا حقيقيا في نقله ووضعه على خريطة طريق الألفية الجديدة.
وبهذه المناسبة فقد كان للمرحوم لمسات عدة في كل موضع كان فيه، ما زالت الناس تذكره بكل خير بسببها، وهي حقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد البتة، ولكن ماذا عن الحالة الإنسانية ود. ناجي المطيري الإنسان؟!! نعم، كان رحمة الله عليه إنساناً بمعنى الكلمة لن يتكرر، وقد أفضى إلى ما قدم وما أجمله من عمل نحتسبه له عملا خيراً عند الله سبحانه وتعالى.
تعرفت على د. ناجي في أول أيام عودته إلى المعهد بعد توليه زمامه في مقابلة سريعة جداً، ومن بعدها قابلته مرات عدة وقد وجدت في فترة ابتعاثي لنيل شهادة الدكتوراه منذ قرابة الخمسة عشر عاماً، أنه حرص وسنّ سنّة حسنة بأن يقابل كل المبتعثين أثناء دراستهم وبعد تخرجهم للاستماع منهم وبشكل مباشر كل شيء يخص عملهم وإنجازاتهم والاطلاع على مشاكلهم، وفي كل مرة ورغم مشاغله العديدة كنت لا أحتاج أن أذكره بنفسي أو باسمي، فقد كان يتذكر كل ما يخص الموظفين فرداً فرداً بل أزيد أن اهتمامه على المستوى الشخصي بكل أمور وجوانب العمل لا تجعلك إلا أن تزداد حبا وتقديرا واحتراما لشخصه قبل أي شيء كان.
ومن هنا ازدادت علاقتي بهذا الرجل على الصعيد الشخصي، بحيث كنت دائم المشورة له في أي قرار مهم أتخذه لأنني وجدت فيه الرجل صاحب النصيحة القلبية والأخلاقية قبل أي شيء كان، أما عن عدد المواقف الجميلة التي استذكرتها معه فهي عدة، وكلها حوت على عامل مشترك واحد وهو أن المرحوم كان إلى آخر أيامه في الإدارة، رجلا مهنيا إلى أبعد الحدود، وبمعنى الكلمة حقا يتحمل كل الصعاب والمشاكل من أجل راحة الموظف من جانب ومصلحة العمل العليا من جانب آخر.
وبهذه المناسبة لا أستطيع أن أغفل حقيقة مهمة وهي مشروع التحول الاستراتيجي الذي أقدم عليه (رحمه الله) إبان فترة توليه المعهد والتغيرات الجذرية التي قام بها ليواكب تطور العالم، ويضع المعهد في مصاف المؤسسات البحثية المرموقة عالميا، كان رحمه الله تعالى صاحب طموح كبير ورؤية مستقبلية يعجز المرء أن يصفها، ويشك الفرد أن يراها تتكرر مرة أخرى.
كان لنا تواصل أخير منذ أشهر معدودة في فترة رحلتي للعلاج في الخارج مع أهلي، وحرصت أن يوجد أبناء إخوتي في حفل زفاف ولده، ومن بعدها كانت للدنيا والأقدار رأي آخر، إذ توالت المشاغل على الجميع وصولا إلى خبر وفاته الأسبوع الماضي لأتذكر كم هي تافهة وسخيفة هذه الدنيا، وهي تبعد الناس عن بعضهم والأحباب عن التلاقي، والموت سهم قد أطلق على الجميع ونحن في انتظاره.
رحمك الله تعالى، وغفر لك يا أبا عبدالله، وأسأل الله تعالى أن يسكنك فسيح جنانه، فمكانتك لا تزال محفوظة في القلب، ولن تتزلزل البتة، ولن يستطيع كائن من كان أن يكرر إنجازاتك وأعمالك على أرض الواقع في إشارة حقيقية أن أمثالك لن يتكرروا في زمننا هذا، وبأننا محظوظون في العمل معك طيلة تلك السنوات.
وبهذا نعزي مرة أخرى دولة الكويت والمجتمع العلمي قاطبة، وأسرة الفقيد ومحبيه خاصة، في وفاة هذا الإنسان الذي ترك بصمة إيجابية في تاريخ البحث العلمي وتطويره والعمل على تحسين جودته وآلياته وقنواته الإدارية إلى هذا اليوم.