هل الدولة المعاصرة ديموقراطية حقاً؟
مبحث مهم لا بُد من الوقوف عنده ودراسته بخصوص الدولة المعاصرة اليوم، ونقصد بها الدولة التي (يحكمها دستور ويتم تداول السلطة فيها ويضبط مسارها تعدّد السلطات مع الفصل بينها، وتخضع لمبدأ المشروعية، وفيها تعددية سياسية، وحريات واسعة بضماناتها!)، وهذا وصف ينطبق على الدول الغربية بشكل عام ومن يسير في ركابها!
وسنجيب عن هذا التساؤل قدر ما نستطيع ونجتهد.
يلاحظ المراقب أن الأنظمة السائدة في هذا العصر، تقاربت بصورة شديدة من زاوية جوهرية، فالأنظمة أياً كانت (ديموقراطية/ رئاسية/ برلمانية/ فردية/ دكتاتورية/ شمولية/ ملكية/ جمهورية/ ذات تعددية حزبية، أو غير ذلك)، أياً كان مسمّاها ولقبها، فجميعها غدت تتحكم في الدولة من خلال النخبة المصغرة الحاكمة، والتي لا تتعدى، في أحسن الأحوال، بضع مئات من الأشخاص، وتنخفض في بعض الدول إلى ما بين عشرين وثلاثين شخصاً، ومن ثمّ فإنّ القاسم المشترك للأنظمة الحاكمة اليوم هو عدم ديموقراطيتها أو قل دكتاتوريتها، سواء دكتاتورية الفرد أو الحزب الحاكم أو النخبة التي يُفترض أن تمثّل الأغلبية التي انتخبتها، لكنها اختزلت وغدت بيد نخبة حاكمة محدودة، هي من تتحكم في مصير الدولة ومفاصلها، ولذا أضحت الأنظمة المعاصرة قاطبة أنظمة لا ديموقراطية، وتلاشت ديموقراطيتها أمام تقهقر وتراجع تداول السلطة واقتسامها الحقيقي بين الشعب المكون لتلك الدولة.
وهنا نأتي لتفحُّص حقيقة الديموقراطية في الدول الغربية أمام استبداد وتفرُّد النخب الحاكمة فيها، كما هو مسلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو ريشي سوناك في بريطانيا، أو رئيس وزراء كندا جاستن ترودو، ومستشار ألمانيا، وغيرهم، وقد تكشّف ذلك أكثر في الإبادة الجماعية بغزة.
وعلى الصعيد الآخر، فإنّ الغرب يرى أن الديموقراطية - على مساوئها - حق لهم فقط، وهو بواقع تعاملهم، أمر لا تستحقه الدول الأخرى، ولذا، فهم يجردون إنساننا من حقوقه ودولنا من سيادتها وشعوبنا من ثروات بلادنا، وتقييد هويتنا الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية، بل ويسعون جاهدين إلى القضاء على هوياتنا الثقافية.
فتباً لهم ولديموقراطيتهم القائمة على الاستبداد والتفرد والظلم واضطهاد الشعوب الأخرى، ولنتبصر بالدولة المدنية في المدينة المنورة، التي أقامها الرسول، صلى الله عليه وسلم، بوضع أول دستور مكتوب تعرفه البشرية بمفهوم «النظام الأساسي للدولة».