في حكم قضائي بارز، أكدت محكمة جنح التمييز توافر اسباب الإباحة لدى احد رجال الأمن حال اشتباكه مع الأشخاص لمنعهم من ارتكاب الجرائم، وقضت بإلغاء حكم حبس ضابط شرطة برتبة عقيد شهرين وبرّأته من الاتهام المنسوب اليه بوقائع استعمال القسوة بحق احد الأشخاص على خلفية تواجده في الاحتفالات بالأعياد الوطنية.
وأضافت المحكمة في حيثيات حكمها الذي اصدرته برئاسة المستشار محمد الخلف وعضوية المستشارين عدنان الجاسر ومبارك الرفاعي وعبدالله الجمهور واحمد الدويخ، ان المُشرع استثنى طائفة من موظفي الدولة في ظروف مُعينة وبشروط مُحددة لارتكاب أفعال هي في حقيقتها محظورة في ظرفها الطبيعي المُعتاد، ثم أباح إتيانها بتوافر شرائطها، وأضفى عليها المشروعية تحقيقاً للمصلحة العامة.
ولفتت إلى أن ما ينعاه الطاعن على الحكم الطعين أنه قضى بإدانته لاستعماله القسوة قبل المتهم الأول بأسباب شابها الخطأ في تطبيق القانون لتوافر سبب من أسباب الإباحة وما يعيبه ويستوجب تمييزه. وكان من المقرر قانوناً أن الدفع بتوافر أحد أسباب الإباحة وتمسك الطاعن به من الدفوع الجوهرية التي ينبغي على المحكمة أن تناقشها في حكمها وترد عليها دونما إغفال أو نكول وإلا كان قضاؤها معيباً.
وكان الحكم الطعين المكمل لأسباب محكمة الجنح قد أغفل الرد على دفاع الطاعن في شأن قيام سبب من أسباب الإباحة تُسوغ له – بصفته عقيداً بوزارة الداخلية– القبض على المتهم الأول، إثر مخالفته للضوابط المنظمة للاحتفال بالأعياد الوطنية، وتعريض سلامة المارة للخطر، وامتناعه عن الامتثال للأمر بوجوب اصطحابه للنقطة الأمنية ومقاومته ثم فراره من مكان الواقعة.
وقالت دائرة تمييز الجنح إنه من المقرر قانوناً أنه يكفي أن تتشكك محكمة الموضوع في ثبوت الاتهام لكي تقضي بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل مادام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محّصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة، ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في عناصر الإثبات وأقامت قضاءها على أسباب تحمله وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها وحسبها أنها أبانت في حكمها أنها أحاطت بالدعوى وظروفها، ولا يعيبها أن تكون قد أغفلت الرد على بعض أدلة الاتهام ذلك لأنها ليست ملزمة بالرد على كل دليل من الأدلة التي قام عليها الاتهام.
ولفتت المحكمة الى انه بعد مُطالعة التحقيقات أن الطاعن باشر اختصاصه الوظيفي المنوط به في يوم 25 من فبراير سنة 2022 بصفته ضابطا بوزارة الداخلية لضبط الأمن والمحافظة على سلامة المتواجدين وحماية ممتلكاتهم إبان فترة الاحتفال بالأعياد الوطنية وما صاحب ذلك من ارتكاب بعض الأفعال المحظورة كدلق بالونات المياه على الراجلين المُحتشدين والمركبات السائرة في الطريق وما ترتب عليه من تعطيل السير وامتعاض المارة وتعريض سلامتهم للخطر.
وتابعت، وقد أبصر المتهم الأول يرتكب بعض الأفعال المحظورة على نحو ما سبق بعد أن تعالت صيحات بعض مُرتادي الطريق استهجاناً لمسلكه حسبما قرر الشهود، فاستحثه (الطاعن) على الكف عن أفعاله - غير مرة – حسبما قرر الشهود، إلا أن المتهم الأول لم يمتثل للتعليمات الصادرة من رجل الشرطة المكلف بحفظ الأمن وأمعن بأفعاله دونما اكتراث مما ألجأ الطاعن إلى السعي نحوه والتحدث معه ومُحاولة اصطحابه لمركبة الشرطة بُغية إحالته إلى النقطة الأمنية وما صاحبه من امتناع المتهم الأول، ومُجادلته ثم تشابكهما بُغية شل مقاومة الأخير للسيطرة عليه توطئة لضبطه حسبما توجب القوانين وتلزم التعليمات بضرورة حفظ النظام والأمن في المنطقة.
وذكرت أنه ترتب على ذلك إصابتهما حسبما تبين من مطالعة التقرير الطبي الشرعي وفرار المتهم الأول من مكان الواقعة بمساعدة آخرين نكلت جهة التحقيق عن استجلاء ظروف الحادثة أو الكشف عن مرتكبيها. وإذ تمسك الطاعن - ودفاعه - بتوافر سبب من أسباب الإباحة وفقاً للمادة رقم 37 قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 المُعدل والتي نصت على أنه «لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف عام أثناء مباشرته اختصاصه استعمالاً لسلطة يقررها القانون له، أو تنفيذاً لأمر يوجب عليه القانون طاعته، بشرط أن يلتزم حدود السلطة أو الأمر»، فقد دلت على أن استخدام الطاعن للقوة اللازمة – دون غلو – لمنع المتهم الأول من التمادي في ارتكاب المخالفات المنسوبة إليه بالرغم من تحذيره غير مرة واستهانته بتعليمات رجال الشرطة وتغالظه إنما أخرجت أفعال القوة التي استخدمها الطاعن لتحقيق تلك الغاية - والتي تُعد في الأصل من الجرائم المحظورة – من دائرة التأثيم والعقاب إلى الإباحة مادام الأمر قد استوفى شرائط صحته التي تطلبها القانون.
وأشارت إلى ان الطاعن كان مُلزماً قانوناً بأداء واجباته ومُتأهباً للمحافظة على سلامة الأفراد وحماية ممتلكاتهم دون تراخ، ولا ينال من ذلك حدوث بعض الإصابات في جسد المتهم الأول، وعلى النحو المبين بالتقرير الطبي الشرعي، متى ثبت أن الطاعن إنما استهدف تحقيق الغاية التي من أجلها خوله المُشرع تلك السلطة، فإنه لا يكون مسؤولاً عن أفعاله وتخرج إثر ذلك من دائرة التأثيم إلى الإباحة وبما يتماهى مع نص المادتين رقم 28 و37 من قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 المُعدل، وإذ خالف الحكم المُستأنف هذا النظر وقضى بإدانته على نحو ما سبق ووصمه في مُدوناته بما لا ليس فيه، فإن حكمها يكون قد جانب الصواب مما يتعين إلغاؤه والقضاء ببراءة الطاعن.