التعديلات التشريعية الأخيرة التي تضمنت تعديل أحكام قانون إيجار العقار وإنشاء الدائرة الإدارية والإجراءات الجزائية، تشوبها العديد من الملاحظات الواقعية والقانونية من حيث فلسفة التعديل.
ففي الوقت الذي يزيد المشرع من ميعاد استئناف الحكم في القضايا الجزائية إلى ثلاثىن يوما بدلا من عشرين، رغبة في توحيد مواعيد الطعن بالقضايا الجزائية والمدنية، ويترتب على ذلك إطالة أمد النزاع يلغي المشرّع اختصاص محكمة الاستئناف بنظر قضايا إيجار العقارات وإسنادها إلى دوائر الاستئناف الجزئي، بهدف الإسراع في الفصل بالقضايا، رغم أهمية تلك القضايا ونهائيتها من حيث التقاضي، وفقا لقانون إيجار العقارات وما يستدعي عرضها أمام محاكم عليها وليست محاكم جزئية!
كما أنه من بين الملاحظات الموجّهة على الأقل إلى قانون إيجار العقار غياب مقاصد التعديل، فلم تتحدد الغاية من وجود هذا التعديل طالما لم يتضمن معالجة العيوب التي تعتري هذا القانون، ففي الوقت الذي منح القانون الحق للمالك التنفيذ على الإيجارات المتأخرة على المستأجر، تطلب مجددا رفع دعوى قضائية لطرد وإخلاء المستأجر، رغم أن ما يشكو منه ملّاك العقارات هو كيفية الإسراع في إخلاء العقارات من المستأجرين المتأخرين من السداد، حتى يتمكنوا من تأجيرها لغيرهم.
كما أن التعديل سمح بتحديد المدد فيما بين المستأجر والمؤجر، بخلاف ما نص عليه القانون من ميعاد يتعيّن الالتزام به بين الكافة. كما أن التعديل سيكون مدعاة لدعوة المستأجرين على نحو صريح إلى إسناد القانون محل التطبيق إلى قواعد القانون المدني أو التجاري، للتمكن من الحصول على أكبر ضمانات قضائية في التقاضي والوصول إلى محكمة التمييز، بدلا من قانون إيجار العقارات، لاسيما أن التعديل في إيجار العقارات لم يراعِ رؤوس الأموال الكبيرة التي يتعين مراعاة التقاضي بشأنها، وأسند التقاضي بشأنها إلى المحاكم الجزئية.
وعلى صعيد آخر، فإن التعديل على قانون إنشاء الدائرة الإدارية، وإن كانت غايته ضبط الطعون المتراكمة أمام محكمة التمييز، إلا أنه سيخلق نزاعات وهمية للوصول إلى محكمة التمييز، كالطعن على طلب ندب الخبير، وهي طلبات غير مقدّرة وتسمح بالطعن أمام محكمة التمييز إلى جانب الحالات الأخرى التي وردت في التعديل التشريعي الذي كان يتعيّن إصداره وفق منظومة التقاضي المدنية والتجارية المقررة في قانون المرافعات، إلى جانب تعديل قانون الرسوم القضائية.