جورجيا تشهد عاصفة سياسية حول حرب 2008 مع روسيا
واشنطن تفرض عقوبات على مسؤولين جورجيين... وتبليسي تهدد بمراجعة العلاقات
• التوتر يتصاعد بين مؤيدي الغرب وأنصار موسكو قبيل انتخابات مفصلية
تشهد الساحة السياسية في جورجيا منذ أشهر نزاعاً بين القوى السياسية المعارضة التي تدعو إلى علاقات أوثق مع الغرب والحزب الحاكم وحلفائه الذين يميلون أكثر نحو روسيا. وبينما تستعد البلاد لانتخابات حاسمة في أكتوبر، أثار بيدزينا إيفانيشفيلي، مؤسس وزعيم حزب الحلم الجورجي الحاكم، ورئيس الوزراء السابق والمرشح الرئيسي لحزبه في الانتخابات، عاصفة سياسية بقوله إن جورجيا يجب أن تعتذر عن حرب 2008 مع روسيا التي يلوم الكثير من الجورجيين موسكو عليها، فيما هدّد الاتحاد الأوروبي بتعليق اتفاقية «شنغن» مع جورجيا.
والسبت الماضي، قال إيفانيشفيلي، الذي بنى ثروته في مجالات البنوك والمعادن والعقارات في روسيا، إن «شعب أوسيتيا الجنوبية»، الجمهورية المعلنة من جانب واحد، والتي انفصلت عن جورجيا بعد حرب دامية في التسعينيات، يجب أن يتلقوا اعتذاراً عن الحرب الخاطفة في 2008 التي أدت إلى اعتراف موسكو بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا كدولتين مستقلتين بعد أن صدت القوات الروسية محاولة جورجية لاستعادة أوسيتيا الجنوبية. ولاتزال معظم دول العالم تعترف بالمنطقتين على أنهما أراض جورجية.
ولاقت تعليقات إيفانيشفيلي، التي أدلى بها في تجمع في بلدة غوري، التي احتلتها القوات الروسية لفترة وجيزة في عام 2008، إدانة فورية من قبل النشطاء الموالين للغرب والمعارضة، كما سلطت الضوء على تدهور علاقة جورجيا مع الغرب في الأشهر الأخيرة.
الاتحاد الأوروبي يهدّد بتعليق اتفاقية الـ«شنغن»
ويوم الأحد الماضي، تجمع مئات الأشخاص أمام مبنى البرلمان في العاصمة الجورجية تبليسي للاحتجاج على تصريحات إيفانيشفيلي، وهم يهتفون: «لا لإملاءات الكرملين!».
وفي بيان، وصف ميخائيل ساكاشفيلي، الذي كان رئيس جورجيا خلال حرب 2008، تصريحات إيفانيشفيلي بأنها «خيانة غير مسبوقة»، و»إهانة لذكرى الأبطال الذين ضحوا من أجل بلادنا». وقال ساكاشفيلي، الذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة 6 سنوات في جورجيا بتهم تتعلق بإساءة استخدام السلطة، يؤكد انها ذات دوافع سياسية، «لقد طلب من الجورجيين الاعتذار عن المعتدي».
وأضاف «لن نتمكن من محو هذا العار لفترة طويلة». واستمرت الحرب مع روسيا في عام 2008 لمدة 5 أيام فقط، لكنها تركت جروحاً عميقة في جورجيا. وبدأت الحرب بسبب مقاطعة أوسيتيا الجنوبية المنفصلة عن جورجيا، لكنها امتدت بسرعة إلى أجزاء أخرى من البلاد. وقامت روسيا بقطع الطريق السريع الرئيسي بين الشرق والغرب، واحتلت لفترة وجيزة ميناء بوتي الاستراتيجي على البحر الأسود ومدن أخرى. وتوقفت قواتها على بعد 40 كيلومترًا من تبليسي بعد أن تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بوساطة دولية.
وفي العام 2009، توصلت بعثة تحقيق مستقلة أنشأها الاتحاد الأوروبي إلى أن الحرب بدأت بهجوم مدفعي جورجي مستمر «لم يكن مبرراً بموجب القانون الدولي»، لكنها أشارت أيضاً إلى أن «الكثير من العمل العسكري الروسي تجاوز حدود الدفاع المعقولة». كما اتهم التقرير جميع الأطراف، بما في ذلك التشكيلات الانفصالية في اوسيتيا الجنوبية، بانتهاك القانون الإنساني الدولي. لكن الكثير من الجورجيين يلومون روسيا على الحرب، ولهذا السبب أثارت تعليقات إيفانيشفيلي التي ألقت اللوم على المعارضة ضجة كبيرة.
ووعد إيفانيشفيلي، الذي دخل السياسة الجورجية في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بإجراء «محكمة نورمبرغ» ضد أعضاء «الحركة الوطنية المتحدة»، الحزب المؤيد للغرب الذي كان في السلطة خلال حرب 2008، بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة. وذكر أنه «بعد الانتخابات، سيلقى جميع مدمري الأخوة والتعايش الجورجي- الأوسيتي أقسى الردود القانونية».
ووصف المعارضة بأنهم «مجرمون»، و»خونة»، و»في عام 2008 أحرقوا أخواتنا وإخواننا الأوسيتيين في النيران».
وأشار إيفانيشفيلي، الذي يشغل رسمياً منصب رئيس شرفي للحزب الحاكم، لكنه يُعتقد على نطاق واسع أنه زعيمه الفعلي إلى بـ «التأكيد سنجد القوة في أنفسنا للاعتذار». وجاءت تصريحات إيفانيشفيلي ضمن حملة انتخابية شديدة الاستقطاب في جورجيا، حيث من المقرر أن تُجرى الانتخابات في 26 أكتوبر المقبل.
وفي نهاية العام 1991، كانت جورجيا من بين أكثر الدول المؤيدة للغرب التي خرجت من أنقاض الاتحاد السوفياتي. لكن في السنوات الأخيرة، أصبح حزب الحلم الجورجي الحاكم، الذي يتولى السلطة منذ 2012، أكثر انتقاداً للسياسات الغربية، وغير راغب في انتقاد روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.
ويوم الاثنين الماضي، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على مسؤولين في جورجيا على خلفية قمع متظاهرين مؤيدين للغرب نزلوا إلى الشوارع، رفضا لإقرار قانون جديد للحد من «التأثير الأجنبي». ورغم أسابيع من الاحتجاجات، دفع حزب «الحلم الجورجي» الحاكم في مايو لإقرار قانون «التأثير الأجنبي» الذي يشترط على المنظّمات غير الحكوميّة أو وسائل الإعلام التي تتلقّى أكثر من 20 بالمئة من تمويلها من الخارج، أن تتسجّل باعتبارها «منظّمة تسعى إلى تحقيق مصالح قوّة أجنبيّة» والخضوع لرقابة إداريّة صارمة.
ورأى المحتجون والمعارضة أن هذا القانون مماثل لتشريع أقرته روسيا واستخدمته لقمع أصوات المعارضين، وأبدوا قلقهم من تأثيره على طموح بلادهم بالتقرّب من الغرب.
غير أن رئيس وزراء جورجيا إيراكلي كوباخيدزه حذّر، الثلاثاء الماضي، من أن بلاده قد «تعيد النظر» في علاقاتها مع الولايات المتحدة، معتبرا في بيان أن العقوبات الأميركية تصب في مصلحة أحزاب معارضة قبيل انتخابات تشريعية مفصلية.
من جهته، هدّد الاتحاد الأوروبي بتعليق اتفاقية «شنغن» مع تبليسي، التي تتيح السفر بدون تأشيرة إلى جورجيا، إذا رصد «انتهاكات» في الانتخابات البرلمانية المقررة في 16 أكتوبر المقبل.
وكانت عدّة دول أوروبية دعت في مايو الماضي إلى فرض عقوبات على جورجيا، بما في ذلك تعليق نظام السفر بدون تأشيرة، عقب إقرار الحكومة الجورجية قانون «التأثير الأجنبي».
وكانت جورجيا مرشّحة رسميا للانضمام الى الاتحاد الأوروبي منذ أواخر 2023، إلا أن القادة الأوروبيين أكدوا في يونيو أن عملية انضمامها الى التكتل القاري توقفت «بحكم الأمر الواقع» بعد تبنّي تبليسي القانون الذي اعتُبر مخالفا للقيم الأوروبية.
وأقرّ البرلمان الجورجي هذا القانون بشكل نهائي بفضل أصوات الحزب الحاكم، والتفّ بذلك على فيتو الرئيسة الموالية للغرب سالومي زورابيشفيلي التي دعت المحكمة العليا الى إلغائه. وتدرس الحكومة الآن مجموعة من القوانين التي ستحظر «الأشكال البديلة» للزواج، والترويج العلني للعلاقات المثلية، والجراحة لتأكيد الهوية الجنسية، من بين تدابير أخرى.
ورغم الاعتراضات والتهديدات الأوروبية، وافقت الأغلبية البرلمانية للحزب الحاكم أمس الأول على القراءة الثالثة والأخيرة لقانون «القيم الأسرية وحماية القاصرين»، الذي يفرض قيوداً شاملة على المثليين.