حكمة رائعة ختم بها د. محمد الرميحي مقاله في «الشرق الأوسط» بالأمس، فقد كتب عن واقع التفاهة الذي تختنق به الدولة الكويتية، حين تغيب أولوياتها بفعل حماقات وسذاجة جماعات منغلقة على ذاتها وسجينة لعالم وهْم مثالي لم يكن موجوداً على أرض الحقيقة يوماً ما، وتروم تلك الجماعات لفرض قيمها عبر سطوتها الدينية على الجميع، من خلال واقع اجتماعي متخلف تعشعش به أكثرية من أصوليات متخشبة إلى ليبرالية انتهازية تلفيقية هي الأرض الخصبة لتنمو فيها تلك الطحالب التي تخنق الحرية والتنمية والمفاهيم الجدية لحقوق الإنسان.

«إذا أردت أن تأخذ الحمقى إلى التهلكة... فأغرقهم بالأوهام»، هكذا ختم الرميحي مقاله، وما أكثر الحمقى الذين تسيّدوا على خشبة المسرح السياسي في السنوات الأخيرة، أبطاله يتعيشون على الجهل والخوف من مواجهة حقائق العصر والعلوم الإنسانية، وكأن ما يحدث جديد ولم يكن يوماً موجوداً في تاريخ هذه الدولة، وكان أكثر المسرحيات تفاهة وغمّاً في الكويت خلال الأيام الماضية «... ما عرف بلجنة القيم في المجلس المنتخب... تزامن ذلك مع إعلانات في الشوارع منتشرة بكثافة والتي تحدثت عنها الصحافة المحلية والعالمية... وعلى رأسها الإعلان الذي يقول: هو مو مثلي.. أنا رجل وهو شاذ. في حين أن المثلية لم تكن محل نقاش لتُذكر، أو مكان خلاف لتُنكر، فكيف تأخذ هذا الموقع المتقدم من انتباه الناس، وتفرض على جدول أعمال المجتمع...» (من مقال د. الرميحي)!

Ad

السبب هو حصار المجتمع من أقلية مسيّسة، هذا كان رأي د. الرميحي، بينما أفهم أن السبب هو السلطة الحاكمة في لامبالاتها وخشيتها من مواجهة تلك الجماعات الذين يمثلون شرعية دينية كي تسد نقصاً في شرعية السلطة، التغيير الاجتماعي - كما نكرر - لا يأتي من الأسفل، أي من الناس ومن وعيهم بالنسبة للدول الحديثة النشأة بمجتمعات غارقة في خرافاتها وأساطير ماضيها.

ليست التطورات التي حدثت في الغرب، من عصر الإصلاح الديني ثم التنوير ثم الثورة الصناعية ثم الثورات السياسية الاجتماعية التي تمثلت في الثورة الفرنسية، هي النموذج الذي يجب أن ننظر إليه، واقعنا هو أقرب لدول الشرق، مثالنا هو التغيير من الأعلى بنماذج سنغافورة وماليزيا وبقية دول جنوب شرق آسيا في مرحلة نهوضها، لم تبدأ تلك الدول مع مشوار أوروبا الغربية والتغيير التراكمي نحو الحداثة والتنمية الذي مرّ عبر قرون من الثورات، وإنما اختصرت الطريق بإرادة حاكمة نزيهة فيها تسلطية ولكن لمرحلة انتقالية، وبعدها يمكن الانتقال الكامل للديموقراطية. في حالتنا لا يمكن الحديث عن الديموقراطية إذا لم يكن هناك وعي شعبي عالٍ بها وبحقوق الآخرين، وأي ديموقراطية وأحلام التنمية مع حزب وثيقة القيم التي وقّعها أكثر من عشرين نائباً، في النهاية هي دائرة مغلقة، وسكة سد و«وين ما تطقها عوجة».