ما قل ودل: اقتراح أنطونيو غوتيريش لإصلاح النظام العالمي «جا يكحلها عماها»

نشر في 22-09-2024
آخر تحديث 21-09-2024 | 18:01
 المستشار شفيق إمام

مع تقديرنا الكبير لشخص الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وموقفه المتوازن ‏إلى حد ما، في وقف حرب غزة وإنهاء مشكلة الرهائن، فإن ما صدر عنه من ضرورة تمثيل إفريقيا بإحدى دول القارة السمراء في العضوية الدائمة في مجلس الأمن جانبه الصواب، وهي العضوية التي تقتصر ‏وفقا لميثاق الأمم المتحدة على خمس دول هي أميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، في حق ‏الاعتراض على قرارات المجلس.‏

ومع نبل الباعث لدى الأمين العام، في تمثيل إفريقيا على سبيل الدوام في المجلس ‏للمشاركة في اتخاذ قراراته، وهي تشارك الآن من خلال العضوية غير الدائمة، حيث يضم ‏مجلس الأمن خمسة عشر عضوا، خمسة أعضاء منهم دائمو العضوية، والعشرة الآخرون يتم انتخابهم ‏لمدة سنتين بقرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويخضع هذا الاختيار ‏بدوره لحق الاعتراض المطلق من أي دولة من هذه الدول الخمس دائمة العضوية.‏

تمثيل إفريقيا الدائم في مجلس الأمن

هذا التمثيل لإحدى الدول الإفريقية في مجلس الأمن يجعل لهذه الدولة الحق في الاعتراض على المسائل والموضوعات التي يقرها سائر أعضاء هذا المجلس (حق الفيتو) ليضم مجلس الأمن بالإضافة الى الأفيال الخمسة الذين يملكون هذا الحق، فيلا سادسا صغيرا، سيختاره هؤلاء الأعضاء أو الأفيال الخمسة، بما لكل منهم من حق الاعتراض على كل بما يقره هذا المجلس ولو بإجماع سائر أعضائه، فيل صغير مستأنس سيخضع لمشيئة وإرادة هذه الدول الخمس التي تملك مقدرات دول القارة الأغلب الأعم أو السواد الأعظم منها، وقد يلقى هذا الاقتراح قبولا من الدول الخمس، ذرا للرمال في عيون العالم (الثالث) المستضعف.

وليس الأمر في البحث عن دولة سادسة تحتل العضوية الدائمة في مجلس الأمن، ليزداد البلاء بلاء والفحش فحشاء والمنكر منكرا، بزيادة عدد الدول الأعضاء التي تملك النقض والاعتراض على قرارات المجتمع الدولي، التي تصدرها الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن.

ولم يكن الأمر قصرا على تمثيل إفريقيا في العضوية الدائمة لمجلس الأمن، حيث تسعى ألمانيا إلى الحصول على هذه العضوية الدائمة، وهو ما تعترض عليه كل من بريطانيا وفرنسا، كما أن الهند تعتقد أنها أحق بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن، فهي قارة كبيرة وتعداد سكانها يصل إلى مليار ونصف نسمة، والصين تعترض على عضويتها والبرازيل والأرجنتين تتنازعان على قبول إحداهما لهذه العضوية الدائمة.

فشل النظام العالمي

ويدرك الأمين العام للأمم المتحدة قبل غيره أن حق (الفيتو) المقرر لهذه الدول هو أحد أسباب فشل هذا النظام، فقد فشلت الأمم المتحدة، وفشل النظام العالمي في تحقيق أهدافه في تحسين السلم والأمن الدوليين، فضلا عن تحقيق المساواة بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بسبب حق الاعتراض المقرر لكل دولة من الدول الخمس الأعضاء الدائمين بالأمم المتحدة، على أي قرار توافق عليه الدول الأعضاء بمجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين (عدا الدولة المعترضة بطبيعة الحال).

وكان أول أسباب هذا الفشل هو حق الاعتراض المطلق لكل دولة من الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، على قرارات الأمم المتحدة، فضلا عن القرارات التي يقرها المجلس ذاته ولو بإجماع آراء سائر أعضائه.

موقف المملكة العربية السعودية

ومن الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية اعتذرت عن عدم قبول عضوية مجلس الأمن غير الدائمة لأن المجلس يكيل بمكيالين في عام 2013 وقت أن كان الملك عبدالله الراحل ملكاً للبلاد، وأكدت الخارجية السعودية في بيانها بتعليل الرفض أن أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته في حفظ الأمن والسلم العالميين، وهو قرار حظي بتقدير وإعجاب الكثير، وقد علقت عليه بذلك في مقال لي نشر على صفحات «الجريدة»، ذلك أن هذا القرار، بصدوره من المملكة العربية السعودية، وهي دولة تقليدية محافظة، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأمم المتحدة قد فشلت، وقد فشل معها النظام العالمي، في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، بسبب حق الفيتو أو النقض المقرر لكل دولة من الدول الأعضاء بمجلس الأمن، والذي فشل حتى الآن، في تحقيق السلام والأمن الدوليين، بسبب عجزه عن إصدار قرار بوقف حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في غزة، حتى بعد صدور قرار من محكمة العدل الدولية بإدانة إسرائيل بذلك.

الاعتراض على عضوية فلسطين

ولهذا لم يكتسب قرار الجمعية العام للأمم المتحدة في مايو 2024 بمنح فلسطين العضوية الكاملة بالأمم المتحدة، رغم موافقة 147 دولة، ولم تعترض على هذا القرار سوى 10 دول منها الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس، وذلك من أصل (193) دولة تضمها المنظمة.

اختصاصات مجلس الأمن

وهو المجلس المنوط به المحافظة على السلم والأمن الدوليين، والتوصية بقبول أعضاء جدد في الأمم المتحدة، ويختص مجلس الأمن كذلك بالتحقيق في أي نزاع بين الدول يؤدي الى احتكاك، والتوصية بالوسائل اللازمة لفض النزاع، وتوقيع العقوبات الاقتصادية، واتخاذ إجراء حربي ضد المعتدي، والقيام بالوصاية على المناطق الاستراتيجية باسم الأمم المتحدة، والتوصية بتعيين أمين عام للأمم المتحدة.

مجلس الأمن وحق الفيتو

وقد بلغت المرات التي استخدمت فيها الأفيال الخمسة حق الفيتو على القرارات التي وافق عليها إجماع سائر أعضاء مجلس الأمن أو الأغلبية المطلقة لأعضائه (442) اعتراضاً، احتلت روسيا وقبلها الاتحاد السوفياتي الأولى في الترتيب، باعتراضها على 243 قرارا تليها الولايات المتحدة الأميركية (83) قرارا، الأغلب الأعم منها لمصلحة ربيبتها إسرائيل، تليها بريطانيا (32) قرارا، وفرنسا 18 قرارا والصين 16 قراراً.

ولا تكتم الدول العظمى خشيتها من هذا التمثيل الدائم لإحدى الدول المستضعفة، ومن بين الدول المرشحة لتميثل إفريقيا في العضوية الدائمة في مجلس الأمن، جنوب إفريقيا ومصر، ونيجيريا والمغرب والجزائر، والأولى هي التي أقامت دعوى الإبادة الجماعية، ضد إسرائيل في حربها على غزة ومصر كانت إحدى الدول التي قادت حركة عدم الانحياز لأي من المعسكرين السابقين، ومن قبل حتى في العصر الملكي، وقبل ثورة يوليو 1952 وقبل بزوغ حركة عدم الانحياز.

موقف تاریخي لمصر

وقد أثار موقف مصر عام 1950، ثائرة الغرب، عندما امتنعت عن التصويت على القرار رقم 83 الصادر من مجلس الأمن في 1950/6/27م، والذي قرر أن الهجوم على جمهورية كوريا الجنوبية على يد قوات من كوريا الشمالية يشكل خرقا للسلام، وسحب كوريا الشمالية لقواتها المسلحة إلى خط عرضه (28)، وقد كانت الحرب الباردة قد ‏بدأت بين المعسكرين، المعسكر الشيوعي بزعامة وقادة الاتحاد السوفياتي، والمعسكر الذي كانوا ‏يطلقون عليه العالم الحر، فكان الويل والثبور وعظائم الأمور، أن تتمرد مصر على هذا المعسكر الأخير، وهي لا تنتمي إلى المعسكر الشيوعي، في فترة حكم حزب الوفد لمصر، عقب الانتخابات البرلمانية، التي فاز فيها هذا الحزب، بأغلبية ساحقة في مقاعد البرلمان.

وكانت مصر تريد بهذا الموقف في الامتناع عن التصويت على هذا القرار وهي ترزح تحت نيران الاحتلال البريطاني، أن تثبت للعالم، أنها أهل للاستقلال، وجلاء المحتل عن أراضيها، فكان هذا الموقف الشجاع لمصر، إحدى مقدمات ثورة 23 يوليو 1952، وأحد أهم إنجازاتها وهو جلاء آخر جندي بريطاني عن مصر في الثالث عشر من يونيو سنة 1954، طبقا لاتفاقية الجلاء التي وقعت بين مصر وبريطانيا، وإن انحرفت عن أحد مبادئها وهو إقامة نظام حكم ديموقراطي سليم، فوقفت حجر عثرة دون التحول الديموقراطي.

وللحديث بقية في مقال قادم من الأيام، إن كان في العمر بقية، نتناول فيه سبل إصلاح الأمم المتحدة، ومن بين هذه السبل إلغاء حق الفيتو للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومساواة جميع الدول في حق الاقتراع العام والتصويت في المجلس.

وغني عن البيان بأن تعديل ميثاق الأمم المتحدة يتطلب موافقة الدول الدائمة العضوية، وهي لن تتنازل عن حقها في النقض والاعتراض على قرارات مجلس الأمن.

back to top