في أكتوبر من 2023، وجّه عضو في الكينيست الإسرائيلي عن حزب الليكود ريفيتال «تالي» غوتليف دعوة إلى الجيش الإسرائيلي باستعمال «صاروخ أريحا» وسلاح دومسداي أي «يوم القيامة» النووي ضد حماس وفلسطين، ثم اقترح وزير التراث الإسرائيلي- آنذاك- عميحاي إلياهو أن تلقي إسرائيل قنبلة ذرية على غزة، فعلق رئيس الوزراء نتنياهو حضوره للاجتماعات الوزارية، وينعكس جزئيا هذا الحديث المتساهل عن استعمال الأسلحة النووية ما سبق أن قاله الرئيس بوتين عن استعمال الأسلحة النووية في أوكرانيا سنة 2022.
كما أن الرئيس ترامب وجّه ضربة لحظر انتشار الأسلحة النووية من خلال انسحابه الأحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران سنة 2018، فاختار بدلا من الصفقة سياسة «الضغط الأقصى»، وبلغ ذلك ذروته في تصعيد خطير في الخليج حتى عام 2021، وردا على التقدم الدبلوماسي البطيء مع إدارة بايدن، توقفت إيران عن تنفيذ البروتوكول الإضافي في 2021 الذي كان يمنح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قدرة مطلقة على تفقد منشآت إيران وخاماتها النووية، ثم زادت إيران الأمر تعقيدا في ما يتعلق بمفاوضاتها النووية الضمنية الجارية مع الولايات المتحدة في سلطنة عُمان عندما ركبت أجهزة طرد مركزي متقدمة جديدة.
منذ نشوب حرب غزة اغتالت إسرائيل أفرادا من أمثال محمد رضا زاهدي، قائد فيلق القدس في لبنان وسورية، ومحمد سرور ممول حماس، وفؤاد شكر القائد رفيع المستوى لحزب الله، وإسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحماس، بدأ الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا تابعة لحزب الله في جنوبي لبنان في الخامس والعشرين من أغسطس، فسارع حزب الله إلى الرد بهجمة جوية على جيش إسرائيل وقواعد دفاع جوية، وتستمر إسرائيل في شنِّ غاراتها واسعة النطاق على الضفة الغربية، ورغم أن التصعيد قد لا يفضي إلى حرب شاملة مع حزب الله وإيران لأسباب تتعلق بالحفاظ على الذات، فإن منحنى الصراع الحالي قد يمنح إيران أسبابًا أكثر للحصول على ردع نووي تتحدى به قوة الردع الإسرائيلية على نحو أفضل.
وهذا ما سيعود بالدبلوماسية النووية مع إيران إلى الطاولة، ومع ذلك، في حال تولّي كامالا هاريس الرئاسة القادمة في الولايات المتحدة، سيتطلب الأمر ثقلا سياسيا كثيفا من الولايات المتحدة.
ليس التصعيد الإقليمي المستمر هو الدافع الوحيد للدبلوماسية الوقائية في هذه المنطقة، فالحاجة إلى تعزيز القواعد وحماية المنشآت النووية المدنية الوليدة في الشرق الأوسط تضفي أهمية على التوصل إلى اتفاقية أسلحة نووية شاملة للمنطقة، ومن المؤكد أن عقبات كبيرة تحول دون التوصل إلى جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، ومنها سلسلة المشكلات بين إسرائيل ومصر، واستجابة لذلك تقدمت الولايات المتحدة الأميركية باتفاقيات التطبيع مع إسرائيل بموجب الاتفاقات الإبراهيمية بدلا من الخضوع لأسس مبادرة السلام العربية المطروحة منذ 2002 التي كان يمكن أن تضمن التطبيع مع جميع أعضاء جامعة الدول العربية، وهكذا يكون قد ثبت بأثر رجعي أن الوقت الأمثل للدفع بمعاهدة أسلحة في المنطقة لم يكن له وجود قط. وفي سياق التصعيد الإقليمي وبدعم من التقدميين في الحزب الديموقراطي، قد تكون إدارة هاريس أنسب موضعًا للحديث بانفتاح عن الردع النووي الإسرائيلي وللانخراط مع الشعب الإسرائيلي في إعادة التفكير في السياسة، واجتذابًا للدعم من المجتمع اليهودي الأميركي والكتلة اليهودية في الكونغرس على وجه الخصوص، قد يعرض البيت الأبيض على الحكومة الإسرائيلية ضمانات أمنية مشددة على هيئة مظلة نووية أميركية من شأنها أن تنبني على عرض بدفاع الولايات المتحدة الأميركية عن إسرائيل حسبما تقدم به وزير الدفاع لويد أوستن في يوليو من العام الحالي.
وبعد أن تلتزم إيران وآخرون بالتوقف عن الأنشطة المتعلقة بالأسلحة النووية والتراجع عنها، فقد يؤدي الجمع بين التأكيدات والضمانات الأمنية الأميركية إلى أن تفكك إسرائيل ما يقترب من تسعين رأسًا نوويًا والتوقيع على اتفاقية إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.
لقد حذر بالفعل رؤساء سابقون لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي ورؤساء للموساد من «تهديد وجودي» تمثله سياسات نتنياهو على دولة إسرائيل، فأسلحة إسرائيل النووية مشكوك في قيمتها أمام قيادة إيرانية تعلمت من ضربة إسرائيل الاستباقية لمفاعل أوزيراك في العراق في التاسع من يونيو سنة 1981، ومن ضربتها سنة 2007 لمفاعل نووي محتمل أقامته كوريا الشمالية في سورية، فنشرت مفاعلاتها النووية في أرجاء البلد وحصنتها تحت الأرض، ولقد مضى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت إلى حد قوله علنا إن انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من خطة العمل الشاملة المشتركة كان خطأ لأن إيران أحرزت تقدما في برنامجها النووي من ذلك الحين يفوق ما حققته من تقدم في أي وقت مضى، وتشير هذه الاستجابة إلى أن الحل الدبلوماسي يبقى هو أفضل الخيارات.
من شأن إدراج إسرائيل في إطار إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل أن يفتح جوانب مهمة تتعلق بحظر الانتشار النووي في الشام والخليج وأن يبدد قسما كبيرا من انعدام الأمن في المنطقة من خلال وضع إسرائيل وإيران في ترتيب نووي عادل، مما يمنع المزيد من العمل العسكري الحركي المدمر واستخدام الأسلحة النووية، فضلًا عن الحوادث النووية والمخاوف الإرهابية.
* روبرت ماسون زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.