روائع الصهاينة على حائط المبكى العربي
قبل تناول أي قضية على الساحة، لا بُد لنا أن نسبر أغوارها، وخصوصاً ما يمسّ تاريخ التكوين الشرق أوسطي بعد التوغل الإيراني الواضح للعالم أجمع ما عدا أتباع طهران من العرب الذين صاروا يرون الشرك توحيداً، والهزيمة نصراً، والموت للطاغوت شهادة، والخيانة بطولة.
ولقد قلنا على مدى قرابة عشرين عاماً إن السياسة في الغالب حلف مع الأعداء وخيانة للأصدقاء واتفاق بين الغرماء، وتبادل مصالح بين الفرقاء، والساحة العربية تزخر بذلك، ولكنها صبّت جميعها لمصلحة العدو الإسرائيلي، فبينما أغلبية السياسيين بالشرق الأوسط أصحاب مصالح بقي ولاء الصهاينة المطلق للدولة العبرية، مما جعلنا نُفتتن بعظمة دولتهم ونحتفظ بـ «بيوغرافي» زعمائهم كي نجلد فيها ذواتنا، فالصهيونية التي قادت العالم منذ أول اجتماع لها عام 1897م بمدينة بازل في سويسرا بزعامة ثيودور هرتزل، هي ذاتها التي تقودنا الآن، ولا تضيّع وقتك في دراسة أسباب فشل صراعنا معهم، فببساطة تستطيع مقارنة الحسابات البنكية لقادة الصهاينة التي لا تحتوي إلا على رواتبهم مع حسابات بعض زعماء العرب الذين تتضور شعوبهم جوعاً، وابدأ بسياسيي دول الطوق العربي كزلمات المنظمات والأحزاب الفلسطينية واللبنانية، أي صف المواجهة الأول مع إسرائيل!
فأغلبية قادة الصهاينة الشرفاء مالياً أداروا كفة الصراع مع العرب لثمانية عقود وارتكبوا المجازر كمناحيم بيغن، مؤسس العصابة الإرهابية، وشيمون بيريس مدبّر مجزرة قانا، وإسحاق رابين مهندس التطهير العرقي، وصاحب فكرة تكسير عظام أطفال الحجارة، الذي - بعد اغتياله - لم يتسع مجلس عزائه لجلوس كبار شخصيات العالم لصغر بيته وتواضع أثاثه، لأنه لم يسرق «شيكلاً» واحداً من أموال الدولة العبرية، بل استقال من الرئاسة، لأن زوجته فتحت حساباً بأميركا مخالفاً للقانون الإسرائيلي! وكذلك الصهيوني إيريل شارون مات بسيطاً بعد اقترافه الاغتيالات ومجازر قبية وجنين واجتياح لبنان، أما السخرية فإن إسرائيل أقالته لعدم منعه حزب الكتائب اللبناني من مجزرة ذبح الفلسطينيين في «صبرا وشاتيلا»!
إن زعماء ورؤساء المنظمات والأحزاب العربية يسمون هزيمتهم انتصاراً، أما الصهاينة فيعترفون بالخسارة ويستقيلون، كغولدا مائير بعد هزيمة إسرائيل المبدئية في حرب 73، والتي لها مقولة مشهورة تؤنّب فيها العرب لو تذكّرها نتنياهو لوصمها في جبين «حماس» بعد مغامرتها في 7 أكتوبر التي دمرت غزة، وهي: «لا يمكننا أن نصفح عنهم لإجبارهم إيانا على قتل أطفالهم».
أما هنية ومشعل و«سنوار حماس» فظلوا منتصرين، حتى بعد أن مسحت إسرائيل غزة، كما ظل يلوّح بالنصر زعيم حزب الله الإيراني والآلة العسكرية للصهيوني نتنياهو تدمّر جنوب لبنان وتبيد القادة العسكريين لحزبه، بمجزرة البيجرات واللاسلكيات والصواريخ، ولا داعي للخوض بتفاصيلها، فتسارُعها مخيف جداً.
إن عظمة الدولة الصهيونية المجرمة في تحكّمها بزعماء العالم الأول، رغم انتفاضة شعوبهم، وخاصة في أوروبا لحربها على غزة، وامتلاكها لتكنولوجيا فائقة أوصلتهم إلى عقر دار أعدائهم في لبنان الذين هم أعداؤنا أيضاً بعد قتلهم للسوريين، فبعد تدمير غزة، دمّر الصهاينة أتباع إيران في لبنان الذين يسمون قتلاهم شهداء القدس وهم لم يخطوا لها خطوة، حيث قال زعيمهم إن طريق القدس يمر عبر القلمون والزبداني وبحمص وبحلب وبدرعا، ليرتكبوا مجازر بحق الشعب السوري، ثم لتدور الآن عليهم الدائرة قصاصاً عادلاً لضحايا أطفال ونساء وشيوخ هذه المدن من خلال آلة القمع الإسرائيلية ضمن روائع إنجازات الصهاينة التاريخية بحق خونة حائط المبكى العربي.
****
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.