هزّ التصعيد الإسرائيلي النوعي المتواصل منذ أيام ضد «حزب الله» اللبناني، بدءاً من مفاجأة «البيجر» وصولاً إلى تصفية قيادة «وحدة الرضوان»، الثقة بين إيران والحزب، خصوصاً أن العمليات الإسرائيلية التي نُفذت أظهرت أن الاختراق الأمني للحزب كان كبيراً جداً وعميقاً، وأنه من دون هذا الاختراق في الجهاز البشري للحزب وبين الأطراف والشركاء الذين يتعامل معهم بما في ذلك الجانب الإيراني، لم تكن الفجوة التقنية لمصلحة تل أبيب لتصبح بتلك الفعالية التي كانت عليها في الأيام القليلة الماضية.

وبعد التساؤلات حول كيفية تمكن إسرائيل من الوصول إلى سلاسل التوريد الخاصة بـ «حزب الله» لتفخيخ أجهزة البيجر التي يعتبرها الحزب وسيلة اتصال رئيسية بعد تخليه عن شبكة اتصالاته الأرضية وأجهزة الأيكوم اللاسلكية الضرورية للعمليات العسكرية اليومية، تعززت الشكوك في وجود اختراقات واسعة وعلى مستوى عالٍ، بعد استهداف إسرائيل، أمس الأول، اجتماع قيادة «وحدة الرضوان» في الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي أسفر عن مقتل 16 قيادياً، في مقدمهم إبراهيم عقيل أحد قدامى مؤسسي الحزب والمطلوب أميركياً منذ الثمانينيات، والشخصية الثانية فيه بعد مقتل فؤاد شكر، وشريكه محمود وهبي، المسؤول عن التدريب المركزي، والذي قاد عمليات «الرضوان» منذ أكتوبر الماضي حتى مطلع 2024.

Ad

وأفادت مصادر في بيروت بأن الحزب يحاول البحث عن مدخل لبدء ورشة تحقيقات شاملة، لاكتشاف الخروقات في جسمه الأمني والعسكري، لا سيما أن الضربات الأمنية التي تلقاها، والتي وُصِفت بأنها الأقسى في تاريخه، تتطلب حصول الإسرائيليين على معلومات دقيقة، مما طرح جملة تساؤلات لدى محققي الحزب.

وذكرت المصادر أن الغارة الإسرائيلية على مكان يُفترض أنه آمن باعتباره على عمق أكثر من عشرة أمتار تحت الأرض، لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال معلومة بشرية حددت موقع الاجتماع وموعده وربما الشخصيات المجتمعة فيه، خصوصاً أن التسريبات الإسرائيلية كشفت أن العملية تم التحضير لها وتنفيذها خلال فترة قصيرة بناءً على معلومة استخبارية دقيقة.

وأشارت إلى وجود فرضيات كثيرة تدور التحقيقات حولها، بعضها أن جانباً من عملية اكتشاف هوية إبراهيم عقيل هو تعرضه لإصابات نتيجة انفجارات البيجر استدعت دخوله إلى مستشفى مدني، حيث ترتفع إمكانية وجود اختراق إسرائيلي سيبراني للكاميرات وأنظمة الدخول.

وتابعت أن هناك فرضية أخرى حول احتمالات الاستناد إلى البصمة الصوتية لعقيل، لكن كل هذه الفرضيات تبقى ناقصة إزاء القدرة على تحديد مكان الاجتماع وموعده، خصوصاً أنه جاء بعد ساعات قليلة من إعلان الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله بدء مداولات داخل الدائرة الضيقة القيادية للحزب حول كيفية الرد على التصعيد الإسرائيلي، فاستُهدف جانب واسع من هذه الدائرة.

وأوضحت أن التحقيقات تركزت أيضاً حول كيف تمت الدعوة لانعقاد الاجتماع لهذا العدد الكبير من القادة والمسؤولين في مكان واحد، بعد تعذر استخدام أجهزة الاتصال على مختلف أنواعها إثر تفجيرات البيجر والأجهزة اللاسلكية، لافتة إلى تداول معلومة في أوساط عدة عن تلقي المجتمعين اتصالات قبل نصف ساعة فقط، تدعوهم إلى الاجتماع الرفيع لمناقشة التطورات.

في غضون ذلك، كشف مصدر في «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، أن اللواء محمد رضا فلاح زادة، نائب قائد الفيلق إسماعيل قآني، نجا بأعجوبة من الهجوم الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية أمس الأول.

وأضاف المصدر أن فلاح زادة توجه بالفعل للمشاركة في الاجتماع برفقة عدد من قادة «الحرس»، لكنهم «تأخروا بسبب زحمة السير»، وقد وقع الهجوم الإسرائيلي قبل دقائق قليلة من دخولهم المبنى، مشيراً إلى أن زادة واثنين من مرافقيه أصيبوا بالفعل بجروح طفيفة بسبب قربهم من الموقع.

ولفت إلى أن زادة عاد مساء أمس الأول إلى طهران، وشارك أمس في لقاء مع المرشد الأعلى علي خامنئي بعد تسرب نبأ زيارته لبيروت وتداول أنباء عن مقتله، وأنه جلس على كرسي لا على الأرض إلى جانب زملائه من قادة الأجهزة الأمنية، بسبب إصابته في خاصرته ورجله.

وبينما نقلت قناة «العربية» عن مصادر أن وفداً إيرانياً زار بيروت لعدم ثقته في تحقيقات «حزب الله» في قضية البيجر، قالت مصادر أخرى مقربة من الحزب في بيروت، إن الشكوك لدى محققي الحزب من الاختراقات الواسعة وغير المحدودة في إيران، خصوصاً أن الشركة التي استوردت الأجهزة إيرانية وفيها مشاركة لبنانية شكلية، تفوق بكثير شكوك الإيرانيين.

وحسب المصدر، في «فيلق القدس» فإن وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي أجّل زيارته لبيروت بعد أن أُبلغ أن الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله لا يمكنه استقباله نظراً للظروف الحالية في الحزب. لكن المصدر أكد أن الحرس الثوري يعتقد أن نصرالله رفض استقبال عراقجي «كموقف عتب» من حكومة مسعود بزشكيان التي ضغطت عملياً لتأجيل الرد على اغتيال إسماعيل هنية، ودخلت في عروض مفاوضات مبكرة مع واشنطن، وهو ما جعل إسرائيل تعتقد أن الفرصة مناسبة لتوجيه ضربات للحزب دون أن تلقى رداً متضامناً من طهران.

وكشف أن قآني نفسه نصح عراقجي بعدم زيارة بيروت واعتبر أنه يمكن أن تغتاله إسرائيل أو أن ترصد تحركاته للوصول إلى نصر الله.

المصدر، الذي لم ينف التأثير السلبي للعمليات الأخيرة على الثقة بين طهران والحزب الذي يعتبر تاريخياً الأكثر قرباً إليها، قال إن «حزب الله» اعتقل بالفعل أعضاء ومسؤولين وكوادر فيه، بعضهم خدم في صفوفه منذ أكثر من عقدين، بشبهة التعامل مع بعض السفارات، مضيفاً أن الأمر الذي كان أكثر صدمة أن بعض العملاء وافقوا على العمل ضد الحزب مقابل مبالغ ضئيلة جداً إلا أنهم اشترطوا أن يُنقلوا مع عائلاتهم إلى دول غربية مثل كندا وأستراليا لبدء حياة جديدة.