قصف «حزب الله»، أمس، منطقة حيفا في عمق شمال إسرائيل، وقاعدة رامات ديفيد التي تبعد نحو 46 كيلومتراً عن الحدود مع لبنان، في أعمق قصف منذ بدء المواجهات على الحدود اللبنانية في أكتوبر الماضي، لكنه لا يزال - وفق محللين - يندرج في إطار «الرد المضبوط» على الضربات القاسية التي تلقاها الحزب في الأيام الماضية، بما في ذلك انفجار آلاف أجهزة البيجر واللاسلكي التي يستخدمها الحزب، وغارة قضت على قيادة «وحدة الرضوان» في الضاحية الجنوبية لبيروت.
في المقابل، شنّت إسرائيل، منذ مساء أمس الأول وطوال يوم أمس، أكثر من 300 غارة وعملية قصف على مناطق في جنوب لبنان، وصفت بأنها الأعنف منذ 8 أكتوبر، واستهدفت، وفق الجيش الإسرائيلي، مواقع ومخازن أسلحة وفوهات إطلاق صواريخ لحزب الله.
أعمق وابل
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن حزب الله أطلق أعمق وابل من الصواريخ على إسرائيل، منذ بداية الحرب الحالية، حيث أطلق أربع دفعات من أكثر من 140 صاروخاً وطائرة بدون طيار على وادي يزرعيل شمال حيفا. وانطلقت صافرات الإنذار في مناطق حيفا وحولها وقاعدة رامات دافيد الجوية والناصرة والعفولة والجليل الأسفل. وقال حزب الله على قناته على تيليغرام «قامت المقاومة الإسلامية يوم الأحد باستهداف قاعدة ومطار رامات ديفيد بعشرات من الصواريخ من نوع فادي 1 وفادي 2»، كما أعلن أنه هاجم مجمعاً إسرائيلياً للصناعات العسكرية، في «رد أوّلي» على تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن أكثر من مئة ألف إسرائيلي نزلوا إلى الملاجئ، وأن 12 إسرائيلياً أصيبوا بجروح متوسطة، بينهم 4 أصيبوا عندما ضرب صاروخ مباشرة منزلاً في بلدة كريات بياليك جنوب حيفا.
وأظهر فيديو احتراق سيارتين في منطقة قريبة من حيفا.
وكانت إسرائيل أغلقت المدارس وفرضت قيوداً على التجمعات في الكثير من المناطق الشمالية، وأمرت المستشفيات هناك بنقل عملياتها إلى مرافق تتمتع بحماية إضافية من نيران الصواريخ والقذائف.
وقتل 3 لبنانيين على الأقل في الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان أمس.
صواريخ جديدة
ونقلت قناة الميادين الموالية لحزب الله وإيران عن مصادر ميدانية أن حزب الله استخدم، إلى جانب صواريخ فادي 1 وفادي 2، صواريخ فجر 5 للمرة الأولى منذ بدء المواجهات، وأن بعض «الصواريخ أطلقت من إحدى منشآت عماد»، موضحة أن هذه المنشآت «موجودة بالعشرات، ولا تتأثر بكل الغارات التي يشنّها الاحتلال».
وأعلنت السلطات اللبنانية ارتفاع حصيلة ضحايا الغارة التي استهدفت اجتماعاً لقيادة «وحدة الرضوان»، (قوة النخبة في حزب الله)، إلى 45 قتيلاً، في ضربة قاسية للحزب أسفرت عن مقتل 16 قيادياً في مقدمهم إبراهيم عقيل، عضو المجلس الجهادي، أعلى هيئة عسكرية للحزب، ومعاون الأمين العام حسن نصرالله، والرقم 2 في التسلل العسكري، بعد مقتل القيادي فؤاد شكر قبل نحو شهرين.
ضربات قاسية... ولكن!
ويقول حزب الله، إنه سيواصل قتال إسرائيل حتى توافق على وقف إطلاق النار في حربها مع حركة حماس في قطاع غزة. واستبعد مسؤولون أميركيون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة قريباً. كما استبعدوا احتمال احتواء جولة العنف الحالية بين الحزب وإسرائيل بعد العمليات الإسرائيلية الجريئة.
وتريد إسرائيل من الحزب أن يوقف إطلاق النار ويسحب مقاتليه إلى شمال نهر الليطاني، التزاما بالقرار 1701 الصادر عن الأمم المتحدة، والذي أنهى حرب عام 2006 بين الجانبين، وذلك بغضّ النظر عن أي اتفاق في غزة. ويرفض الحزب وقف إطلاق النار من دون غزة، كما يرفض الانسحاب من الحدود، ويرهن تطبيق القرار الدولي بالتزام إسرائيل به، خصوصاً لوقف الطلعات الجوية فوق لبنان.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية، آرام نرغيزيان، أن إسرائيل تمكنت بضرباتها المتتالية من «اختراق» و«ضعضعة» حزب الله الذي كان يقدّم نفسه على أنه «قوة موحدة ومنضبطة، مع قدرة على مكافحة التجسس من الطراز الأول». ويقول نرغيزيان، إن «حزب الله يمتلك عشرات الآلاف من الصواريخ (...)، لكن ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أنه أطلق الآلاف منها منذ 8 أكتوبر، وأن آلافاً أخرى قد دمرت بضربات إسرائيلية محددة في لبنان وسورية».
ومنذ بدء الحرب في غزة، أبقى حزب الله عملياته بين حدين فاصلين، مواصلة دعم حليفته «حماس»، وتفادي الحرب الشاملة.
ويقول الباحث في شؤون حزب الله في «أتلانتيك كاونسل»، نيكولاس بلانفورد، إن حزب الله بهذا الربط «وضع نفسه في مأزق صعب». ومع ذلك، لا يرجح «أن تتمكن إسرائيل من الانتصار في حرب مع حزب الله إلى حدّ هزيمته ومنعه من تشكيل تهديد لها».
من ناحيته، قال نائب الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، إن «المواجهة مع إسرائيل دخلت مرحلة جديدة... هي معركة مفتوحة لتصفية الحسابات».
وصرّح قاسم، خلال تشييع القيادي في الحزب إبراهيم عقيل في الضاحية الجنوبية لبيروت أمس الأحد، «مستعدون لمواجهة كل الاحتمالات العسكرية وسترون النتائج، ودخلنا في مرحلة جديدة عنوانها معركة الحساب المفتوح مع إسرائيل».
وأضاف أن «جبهة الإسناد اللبنانية مستمرة مهما طال الزمن إلى أن تتوقف الحرب على غزة». وأشار إلى أنه «لن يعود سكان شمال إسرائيل، بل سيزداد النزوح وسيتوسع الإسناد»، لافتاً إلى أن «الحل العسكري الإسرائيلي يزيد مأزق إسرائيل وسكان الشمال».
تهديدات نتنياهو وغالانت
وغداة اتصال مع نظيره الأميركي لويد أوستن، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على منصة (إكس) أمس: «سيستمر تسلسل الإجراءات في المرحلة الجديدة حتى نحقق هدفنا، وهو العودة الآمنة لسكان الشمال إلى منازلهم». من ناحيته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان صادر عن مكتبه: «وجهنا في الأيام الأخيرة سلسلة من الضربات لحزب الله لم يكن يتوقعها أبداً. وإذا لم يكن الحزب قد فهم الرسالة، فأنا أؤكد لكم أنه سيفهمها» بعد هذه الضربات. وشدد على أنه «لا يمكن لأي دولة أن تتساهل مع الهجمات على مواطنيها وعلى مدنها. نحن، دولة إسرائيل، لن نتساهل مع ذلك أيضاً»، مجدداً التعهد بإعادة سكان الشمال إلى منازلهم.
بدوره، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «في أعقاب الاعتداء الواسع لحزب الله على مراكز مدنية في إسرائيل، توجهت لعشرات من وزراء الخارجية عبر السفارات الإسرائيلية في أنحاء العالم لإيصال رسالة حازمة وواضحة» مفادها بأن «إسرائيل ستقوم بكل ما يلزم من أجل الدفاع عن مواطنيها» وأردف قائلاً، «إن إسرائيل مستمرة بالعمل على عدم المساس بمواطنيها. ولن نتوقف حتى استعادة الأمن لمواطنينا وسكان الشمال».
وأضاف كاتس، أن «من يريد تخفيض منسوب التوتر والاستقرار في الشمال يجب أن يقوم بالعمل على تطبيق قرار مجلس الأمن 1701. وسحب قوات حزب الله لشمال الليطاني».
وشدد على أنه «في حال لم يقم العالم بذلك بحسب القرار المذكور، فان إسرائيل ستقوم بذلك».
لقمة سائغة
في المقابل، أكد عضو المجلس المركزي في حزب الله اللبناني، حسن البغدادي، أن «لبنان لم يعد لقمة سائغة»، وأن اسرائيل «تعيش أسوأ أيامها بسبب الإخفاقات». وشدد على أن الضربات الأخيرة «لن تغير من قرار المقاومة، كما لم يمس القدرات الاستراتيجية لحزب الله».
وفيما بدا أنه رد على تشكيك واسع حتى بين أنصار الحزب بقدراته بعد الضربات التي تلقاها وبالقرارات السياسية والعسكرية للحزب، أشار البغدادي إلى أن «أهلنا في لبنان مطمئنون لقدرات المقاومة الإسلامية في الدفاع عنهم وحمايتهم، كما يثقون بالمطلق بقيادتها».
على حافة كارثة
وفيما جددت عدة دول بينها الولايات المتحدة والأردن الدعوة لرعاياها إلى مغادرة لبنان فوراً وعدم السفر إلى هناك، حذرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، جينين بلاسخارت، أمس، من أن الشرق الأوسط يواجه وضعاً كارثياً، موضحة أن المنطقة «على حافة كارثة وشيكة». وقالت المنسقة الدولية «ليس من قبيل المبالغة القول إنه لا يوجد حل عسكري من شأنه أن يجعل أياً من الطرفين أكثر أماناً».
وحذّر الناطق باسم البيت الأبيض جون كيربي أمس، من أن «التصعيد» العسكري ليس في «مصلحة إسرائيل» أو في «مصلحة جميع هؤلاء الأشخاص الذين يقول رئيس الوزراء (بنيامين) نتنياهو إنه يريد إعادتهم إلى ديارهم».
واعتبر كيربي في تصريح لشبكة «إيه بي سي»، أنه لا تزال هناك «مساحة لحل دبلوماسي» للنزاع، مضيفاً «هذا ما نعمل عليه».