كيف نتحول من عقلية «الجمعية الريعية» إلى وعي بلدي؟
لم تتوقف الأسئلة والنقاشات حول طرح ورؤية المهندس المعماري والنشيط اجتماعياً فريد عبدال بإنشاء بلديات صغيرة، وما يسمى مجالس الأحياء، والقائمة على «وحدة الجغرافيا والأرض»، طالع مقالاً بعنوان «الغيرة على الوطن والجيرة من المنقف إلى الشامية 9/9/2024».
البعض يؤيد ويتبنى هذا التوجه لكنهم يستغربون عدم الاستعانة بأصحاب الاختصاص والأخذ بآرائهم وخبراتهم، وهناك من الزملاء من دعا إلى إنشاء بلديات في المحافظات الست منذ زمن، بحيث تكون اللامركزية هي الأساس، شرط أن تتمتع بصلاحيات واسعة تمكنّها من إدارة المنطقة الجغرافية من كل الجوانب، لكن الأمور بقيت على ما هي عليه. وبالعودة إلى أجندة المهندس فريد وما يؤمن به ويعمل على بلورته، وحتى أقرب الناس إليه ومن مختلف المواقع التي يشغلها، وفي المحيط الاجتماعي الذي يتواصل معه، ينادي وبلا كلل، بل يسكنه التفاؤل بأن المسعى لا بد أن يخرج من بيئته يوما ما إلى النور، وهذا لن يحصل إذا لم يتوافر وعي وثقافة والتزام، لذلك تراه يعول على إمكانية التغيير من القاعدة، أي من عقلية المواطن والناس، وهم الكفلاء بتحقيق هذا الحلم الذي يراود الكثيرين، فماذا يضيف المهندس فريد عبدال؟
«نحن نحتاج أن نهيئ الوعي المجتمعي للتنظيم كحاضنات مجتمعية في فلك الجمعيات التعاونية، وتبدأ بالتعرّف والتدرّب على الحس والدور البلدي الذي يمكنها أن تمارسه وتقوم به، تبدأ بورشات عمل وتدريب ثم تفعّل ذلك الدور من خلال مجلس الجمعية التعاونية في المنطقة، وتبني جسر تواصل مع المجلس البلدي وإدارات البلدية من خلال تأكيد الخدمات التي تقدمها، المهملة منها أو الناقصة، وهذا الجسر من التواصل يبقى إلى أن تصبح الحاضنة المحلية مستعدة لاستيعاب وأخذ مهام البلدية المحلية حتى إن تحقق الشكل الرسمي، ومن خلال التدرّب على ذلك نأمل أن ينتقل الوعي والممارسة ويولد تنظيم بلدي من جمعية ودواوين ومساجد المنطقة من أهلها، بحيث يخدم الوحدة الجغرافية للمنطقة وضمن الوحدة الجغرافية الأكبر، وهي المحافظة، ومن يمثلون تلك المناطق، ولو بشكل غير رسمي، على أن تبقى الجمعية هي الوجهة لكن في طور التحوّل إلى بلدية محليّة راشدة... المهم أن يقتنع المجتمع ويتحرّك روّاده برشد نحو خدمة مناطقهم أهليّا والتحوّل في الوعي من عقليّة جمعيات ريعيّة استهلاكية إلى وعي بلدي محلّي يبادر بخدمة وازدهار وصحة وحداته الجغرافية وتراص في صفوف تلك الوحدات الجغرافية الصغيرة للمناطق... والبلديات الصغيرة الصحيّة تتكامل لتكوّن بلدا صحّيا قويا ومزدهرا بإذن الله».
وكما يرى المهندس فريد عبدال فإن منظومة البلدية ليست وزارة أو جزءاً من السلطة التنفيذية، منظومة البلدية تجمع السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ضمن وظائفها فيما يتعلق بالبيئة والوحدات الجغرافية المكونة للدولة وملكية الأراضي الخاصة والمشاعة، والموارد المائية والمراعي والغابات.
إن نجاح خدمة نظام البلديات يتم من خلال توازن السلطات والمسؤوليات بين بلديات العواصم «المركزي» وبلديات المحافظات والوحدات الجغرافية الأصغر حتى القرى الصغيرة، ويتحقق التكامل الاقتصادي والعدل الاجتماعي في توظيف الموارد وتوزيع الثروات، ففي بناء هياكل تنظيمية للبلديات معززة بلوائح عمل واضحة المعالم يتبقى العمل الدؤوب على تعزيز ثقافة الرشد، والانتماء والإنتاجية مقابل ثقافة التسلط وموروثات الاستحواذ والتنازع وغياب الفحص والموازنة وأسس التخادم والتلاحم.
تلك الركائز هي الفيصل في نجاح المشروع، فهل من مستجيب؟