يرى المتخصصون أن تطور مفهوم القيادة نشأ من الفكر العسكري على شكل هياكل الإدارة الهرمية «أعلى أسفل» واستمرت حتى ظهرت في العصر الصناعي، مع التكاثر الهائل للقوى العاملة، والسعي إلى تحقيق الكفاءة والاتساق كأسس للمزايا التنافسية، اكتشف الخبراء أن تطور نمط قيادة الأوامر والسيطرة من الممارسات العسكرية في العصر الصناعي، المبني على احترام الرتبة وأحكام القانون، والإيمان بالمكانة والامتياز، لم تعد تتعلق بالأوامر والتحكم في هذا العالم الذي نعيشه الآن، حيث التحولات الاجتماعية والتقنية وتوجهات الخبراء والمفكرين الجدد، بل لأن الشركات والمؤسسات أصبح لها رؤى وأهداف مختلفة.

فالقيادة فيما يتعلق بالمبادرين والمبتكرين والمجددين، لا تتعلق بالإبقاء على الوضع القائم، بل تتعلق بصنع التغيير، وإطلاق الأفكار والمواهب من الجميع داخل العمل وخارجه، لاغتنام أفضل الفرص ولتحفيز الابتكار، وهذا يدعو إلى نموذج جديد للقيادة، من قادة يعتمدون على الأوامر والسيطرة إلى قادة متعاونين، محفزين ومتواصلين وموّصلين ومدربين، يتصف القائد منهم إلى أنه:

Ad

محفز: يحفز ويمدد نطاق المؤسسة عن طريق طرح الأسئلة... «ماذا يريد العميل حقاً؟ ما الذي يمكن أن يفعله منافسونا؟». كما يضيف الطاقة والإلحاح، والتركيز على الرؤى أو التحديات أو الأهداف المحددة.

متواصل: يبين الرؤية والاتجاه، ويصف مستقبلاً أفضل، والأشياء الأكثر أهمية للوصول إلى هناك، يبدأ التواصل بالاستماع، وبناء الثقة والمشاركة عبر المحادثة.

موصّل: يربط الأفكار والأشخاص، والأنشطة والشركاء، ويقوم بعمليات دمج جديدة، ويشجع التعلم والابتكار، ويبحث عن قنوات اتصال تسهل الجمع والربط فيما بينهم.

مدرب: هو داعم أكثر من كونه قائداً، يعمل مع الأفراد والفرق لمساعدتهم على التفكير، وتشجيعهم لتقديم الأفضل وليس الاكتفاء فقط بإعطاء التعليمات وانتظار النتيجة النهائية.

قائد التعاون أكثر نشاطاً واستعدادا ومشاركةً في العمل، لا يكتفي بالتفرج، بل هو المحور الذي يشجع ويمّكن الفرق من العمل معاً بإنسيابية وبشكل أفضل. هو ليس قائداً يجلس في مكتب بالزاوية، يعقد الاجتماعات المغلقة ويقرأ التقارير، بل هو قائد في وسط الفريق، ومعه لوحة بيضاء إلى جانبه، ولديه مرونة في وقت التفاعل غير الرسمي، كما يعرف دوره الفعّال في جمع فريق من المتميزين لتحقيق المزيد من النجاحات معاً، فالقائد يصنع رؤية ملهمة لمتبعيه ويرشدهم ويشجعهم لزيادة قدراتهم الفكرية والإنتاجية.

من المثير للاهتمام أن هذه الصفات أكثر شيوعاً في مبادري الأعمال لا في مديري التسلسل الهرمي في المؤسسات والشركات التجارية الكبرى، فلدى مبادري الأعمال عزم طبيعي وحافز وهدف مدعوم بالشغف لتنفيذ أفكارهم، لأنهم يدركون سريعاً أن من غير المرجح أن يحققوا أحلامهم وحدهم، فيقبلون المساعدة دون تردد، لأنهم يعرفون ما يجيدونه، ويحيطون أنفسهم بالآخرين الذين لديهم مهارات وخبرات تقودهم إلى النجاح.

أما مدير الشركة التقليدي الذي يرتقي بجدارة من خلال المنشأة، لكنه دائماً يتلفت حذراً من السياسة المؤسسية، أو من نجم صاعد جديد، ويجب عليه بإستمرار أن يثبت نفسه، ويرى في إحاطة نفسه بآخرين أفضل من أن يعد أمراً مخيفاً أو هزيمة ذاتية بالنسبة له، وهذا بالطبع ما يجب ألا تكون عليه الحال، فالمديرون الأكثر استنارة يدركون أن بإمكانهم تحقيق المزيد من النجاح عن طريق الجمع بين مجموعة متنوعة من المواهب الكبيرة، وتقديم الدعم والرعاية والفرص لمضاعفة إمكاناتهم وتضخيم قدراتهم، لكن كيف يمكن لقادة التعاون أن يتكيفوا ويزدهروا في عالم متغير ومضطرب رغم أنه نابض بالحياة؟

إليكم بعضاً من نصائح وتوصيات خبراء القيادة:

1- يحتاج القادة لرؤية العالم بطرق متعددة لإدارة الأسواق المضطربة سريعة التغير، والتي لا يمكن التنبؤ بها، ورؤية إتجاهاتها. مما يتطلب تحليلات دقيقة وتفكيراً عميقاً وطويل المدى.

2- إن الأسواق معقدة بشكل لا يصدق، كما هي الحال بالنسبة للتحليل والتفكير الذي يدخل في صنع الخيارات الصحيحة. ولكن ما أن يتم إختيار استراتيجية، واتخاذ القرار بشأنها، يجب على القادة نقله بقناعة ووضوح بعيداً عن أي غموض.

3- في الماضي كان التغيير مدفوعاً من الداخل إلى الخارج، من منطلق الحاجة إلى التطور، أما اليوم، قوى التغيير خارجية إلى حد كبير، وأقل قابلية للتنبؤ والسيطرة عليها. لذا تتطلب المرحلة أن تكون الإستراتيجية واضحة وموجهة من قبل قادة التعاون.

4- على قادة التعاون في المؤسسات اليوم القيام بخيارات أكثر من أي وقت مضى لكن بهدوء، مما يتطلب أن يكونوا أكثر قدرة على التحمل البدني والعاطفي.

5- يحتاج قادة التعاون أن يكونوا مستمعين دائماً ومنفتحين بالنسبة إلى الأفكار الجديدة، لكنهم يحتاجون أيضاً أن يكونوا حاسمين، وعلى وجه الخصوص عند إحداث التغيير، مما يتطلب منهم تشجيع الناس للمضي قدماً.

هذا ما يوصي به خبراء القيادة والتغيير، والتنمية الذاتية حول العالم، الذين يرون في نمط قيادة «قادة التعاون» إلهاماً وتمكيناً، وانفتاحاً وتحفيزاً، لإنجاح تكيّف مؤسساتهم مع المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية.