في تصعيد كبير يضع لبنان على سكة الحرب المدمرة التي شهدها قطاع غزة، شنت إسرائيل أمس هجوماً جوياً بأكثر من 1100 غارة، مستهدفة للمرة الأولى قلب القرى اللبنانية في أماكن وجود «حزب الله» في منطقتي الجنوب والبقاع (شرق)، ما أدى إلى مقتل أكثر من 300 لبناني بينهم 21 طفلاً وإصابة أكثر من ألف، وهي حصيلة كبيرة جداً قياساً إلى مقتل نحو 600 شخص في 11 شهراً من المواجهات عبر الحدود.

وفي الموجة الأولى من القصف في الصباح الباكر، شنّ الجيش الإسرائيلي نحو 150 غارة ضد أهداف، قال إنها تابعة للحزب في الجنوب والبقاع وصولاً إلى الهرمل، ليدعو بعد ذلك، للمرة الأولى، السكان المدنيين الموجودين قرب مواقع للحزب وأولئك الذين يخزنون أسلحة له داخل منازلهم، حسب ادعاءاته، لإخلائها، في حين تلقى آلاف اللبنانيين في مناطق عدة رسائل على خط الهاتف الثابت تنذرهم بوجوب إخلاء منازلهم لوقوعها قرب مواقع عسكرية.

Ad

وفي الموجة الثانية، تركزت الغارات في مختلف أنحاء جنوب لبنان بما في ذلك مناطق صور والنبطية وغيرها.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه شن خلالها غارات على أكثر من 300 هدف لـ «حزب الله»، في حين نُشرت أشرطة مصورة تُظهر تعرض منازل سكنية لضربات جوية، أكد الجيش الإسرائيلي أنها تضم أسلحة وصواريخ.

من جهتها، قالت وزارة الصحة اللبنانية، مساء أمس، إنها سجلت مقتل 274 شخصاً على الأقل بينهم 21 طفلاً، بالإضافة إلى إصابة نحو ألف، في حين ذكرت مصادر طبية أن حصيلة القتلى مرشحة للارتفاع.

وفي الموجة الثالثة، قصفت إسرائيل بعض القرى في البقاع على نطاق ضيق، بعد أن منح الجيش الإسرائيلي مهلة ساعتين للسكان لإخلاء منازلهم التي يستخدمها «حزب الله».

وبينما نزح عدد كبير من العائلات، خصوصاً من الجنوب باتجاه بيروت وسجلت موجة نزوح أخف من البقاع، أعلنت السلطات اللبنانية فتح المدارس والمعاهد الرسمية لإيواء الفارين. وكانت المستشفيات اللبنانية دعت إلى تأجيل العمليات الطبية غير الضرورية للتفرغ لمعالجة جرحى الهجوم الإسرائيلي.

في المقابل، أعلن «​حزب الله​» أنه قصف المخازن الرئيسية التابعة للمنطقة الشماليّة في قاعدة نيمرا، مقر الكتيبة الصاروخية والمدفعية في ثكنة يوآف وقاعدة رامات دافيد في مرج بن عامر، كما أطلق عدة رشقات صاروخية وصل بعضها إلى تل أبيب ووسط إسرائيل، فضلاً عن إصابة مصنع ومنازل في مناطق متفرقة من الجليل، وسُمِعت أصوات انفجارات ضخمة في حيفا والكرمل، كما سقطت صواريخ في محيط مستوطنات غداة شرق قلقيلية.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن الجيش يقوم «بتغيير التوازن الأمني» في شمال إسرائيل، وذلك بعد الضربات على لبنان، محذراً في الوقت نفسه من «أننا على أعتاب أيام معقدة».

وبينما لم يستبعد متحدث عسكري إسرائيلي احتمال شن توغل بري، نقلت صحيفة «إيكونوميست» عن مصادر عسكرية قولها، إن إسرائيل تخطط لهجوم بري يشمل الاستيلاء على مناطق من بضعة أميال في عمق أراضي ‫لبنان. وكانت وكالة اسوشيتد برس نقلت عن مسؤول آخر قوله، إن التركيز حالياً على العمليات الجوية ولا خطط فورية لعملية برية، كما نقل موقع «واللا» عن قادة كبار بالجيش الإسرائيلي تأكيدهم جاهزية القوات للشروع في عملية برية.

ويأتي التصعيد بعد نحو أسبوع من تأكيد الحكومة الإسرائيلية أن أهداف الحرب التي تخوضها في غزة، توسّعت لتشمل إعادة عشرات آلاف السكان إلى الشمال، بعد نزوحهم جراء تبادل القصف مع «حزب الله» خلال الأشهر الماضية، وسبق لمسؤولين في الحزب أن أكدوا أن وقف التصعيد على جبهة لبنان هو رهن «وقف العدوان» على غزة.

وتلقّى الحزب سلسلة ضربات في الأيام الأخيرة، شملت تفجير آلاف أجهزة الاتصال التي يستخدمها عناصره يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين في عملية نسبها لإسرائيل، وغارة جوية قرب بيروت استهدفت اجتماعاً لقيادة قوات النخبة التابعة له أسفرت عن مقتل نحو 50 شخصاً بينهم قائدان عسكريان بارزان.

ووصل الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودران إلى بيروت أمس. وحسب معلومات متداولة فقد أوصل الفرنسيون رسالة إلى المسؤولين اللبنانيين أن تل أبيب لا ترغب في الحرب، وأنه لا بد من الضغط على «حزب الله» للموافقة على حل دبلوماسي فوري.

ومن المتوقع أن يصل وفد استخباري تركي ـ قطري إلى بيروت اليوم، سعياً للتوصل إلى حل وتجنب توسع الحرب.

وقال مصدر دبلوماسي في بيروت، إن الإسرائيليين أبقوا نافذة مفتوحة بشكل بسيط للحلّ الدبلوماسي، وفق ما جرى نقل رسائل للمسؤولين اللبنانيين، ولكن العرض الذي يقدمه الإسرائيليون هو خضوع «حزب الله» لشروطهم وهو ما رفضه الحزب مراراً، خصوصاً لدى حديثه عن صراع الإرادات، وحرب تحديد وجه المنطقة.

ويعرض الإسرائيليون أن يتنازل الحزب ويتراجع بسلاحه مسافة 10 كلم، بالإضافة إلى وقف جبهة الإسناد وفصلها عن غزة. وسادت قراءات متباينة في بيروت، بين احتمال تكرار مشهد حرب غزة في الجنوب، أو تكرار سيناريوهات سابقة، كاجتياح عام 1978، الذي بقي محصوراً بضعة كيلومترات على الخط الحدودي.

وكان لافتاً حديث وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن استعداد إيراني للبدء في مفاوضات استكشافية حول الملف النووي خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، محذراً من أن إسرائيل تريد جر طهران وواشنطن إلى الحرب.

واكتفى المتحدث باسم الخارجية ناصر كنعاني بالتحذير من تداعيات خطيرة للتصعيد الإسرائيلي، في حين تحدث الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من نيويورك عن السلام في المنطقة، وذلك بعد أيام من حديثه عن «الإخوة الأميركيين» في تصريح آثار ردود فعل مستنكرة في أوساط «حزب الله».

استهداف الرجل الثالث في «حزب الله»

بينما استهدفت غارة إسرائيلية الضاحية الجنوبية لبيروت، قالت تل أبيب إنها «محددة الأهداف»، وتتمثل في علي كركي، الرجل الثالث في التسلسل القيادي في «حزب الله»، إلى جانب علي شكر وإبراهيم عقيل اللذين قُتِلا في غارات إسرائيلية على الضاحية.

وبحسب الجيش الإسرائيلي فإن كركي هو قائد جبهة الجنوب، وهو مثل شكر وعقيل، عضو المجلس الجهادي للحزب، وأعلى هيئة عسكرية به، والذي يضم 7 أعضاء فضلاً عن الأمين العام حسن نصرالله.

وفي تفاصيل الخبر:

في تصعيد كبير قد يكون بداية حرب مدمرة حاول الجميع تجنّبها منذ أكتوبر الماضي، شنّت إسرائيل، أمس، ثلاث موجات على الأقل من القصف الجوي غير المسبوق في لبنان بـ 1100غارة، مستهدفة قلب القرى اللبنانية في أماكن وجود «حزب الله» في منطقتي الجنوب والبقاع (شرق)، بعد أن كانت معظم الضربات تقع خارجها، وهو ما أدى إلى مقتل واصابة مئات اللبنانيين ونزوح عشرات الآلاف باتجاه بيروت.

وفي الموجة الأولى من القصف، التي حدثت في الصباح الباكر، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه شنّ نحو 150 غارة ضد أهداف للحزب المدعوم من طهران في الجنوب والبقاع وصولاً إلى الهرمل، ودعا السكان إلى «الابتعاد» عن مواقع الحزب، للمرة الأولى منذ بدء تبادل القصف بينهما قبل نحو عام.

الدخان يتصاعد من مواقع قصفتها إسرائيل جنوب لبنان (د ب أ)

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري «ننصح المدنيين في القرى اللبنانية الواقعة في أو قرب مبانٍ ومناطق يستخدمها حزب الله لأغراض عسكرية، مثل تلك المستخدمة لتخزين أسلحة، للابتعاد فوراً عن دائرة الخطر من أجل سلامتهم».

وشدد على أن الجيش سيشنّ المزيد «من الغارات المكثّفة والدقيقة ضد الأهداف الإرهابية التي زرعت بشكل واسع في مختلف أنحاء لبنان».

وفي الموجة الثانية، تركزت الغارات في مختلف أنحاء جنوب لبنان بما في ذلك مناطق صور والنبطية وغيرها.

وأعلن الجيش الاسرائيلي أنه «شن غارات على أكثر من 300 هدف لحزب الله». ونشرت أشرطة مصورة تظهر تعرض منازل سكنية لضربات جوية عنيفة فيما زعمت إسرائيل انها تستهدف فقط منازل خزن فيها الحزب اسلحته.

وسجلت وزارة الصحة اللبنانية مقتل 300 قتيل على الأقل بحلول المساء بالإضافة إلى إصابة أكثر من 1400 شخص بينهم العشرات من الحالات الحرجة.

مدنيون يفرون بالشاحنات (رويترز)

وفي الموجة الثالثة، قصفت إسرائيل قرى في عمق البقاع بما في ذلك زحلة.

وأوعزت وزارة الصحة إلى المستشفيات الواقعة في الجنوب والشرق وقف العمليات غير الطارئة لإفساح المجال لمعالجة جرحى الغارات. وطلبت في بيان «من جميع المستشفيات في محافظات الجنوب والنبطية وبعلبك الهرمل وقف كل العمليات الباردة بهدف إفساح المجال لمعالجة الجرحى بسبب تمادي العدوان الإسرائيلي على لبنان».

وأعلن وزير التربية عباس الحلبي إغلاق المدارس والجامعات بعد انتقادات لاذعة لقرر الاستمرار بفتحها.

وقالت وزارة الداخلية والبلديات إنها أوعزت بفتح المدارس والمعاهد الرسمية أمام نازحي الجنوب، كما وجهت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية كلها لمواكبة عمليات النزوح والإيواء، ومساعدة المواطنين اللبنانيين وحفظ الأمن والنظام والمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة.

وعبر وزير الداخلية بسام المولوي في مقابلة تلفزيونية عن أمله في «ألا يتحول لبنان الى غزة ثانية».

وطالبت قوات اليونيفيل الأممية من موظفيها المدنيين مغادرة منطقة جنوب الليطاني، فيما ندّد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بما وصفه بـ»مخطط يهدف إلى تدمير القرى والبلدات اللبنانية والقضاء على كل المساحات الخضراء»، واصفاً العدوان الإسرائيلي بأنه «حرب إبادة».

من ناحيته، أعلن «​حزب الله» أنه قصف المخازن الرّئيسيّة التّابعة للمنطقة الشّماليّة في قاعدة نيمرا، مقر الكتيبة الصاروخية والمدفعية في ثكنة يوآف وقاعدة رامات دافيد في مرج بن عامر، كما أطلق عدة رشقات صاروخية وصل بعضها إلى تل أبيب ووسط إسرائيل.

وأصيب مصنع ومنازل في مناطق متفرقة من الجليل. وسمعت أصوات انفجارات ضخمة في حيفا والكرمل، كما سقطت صواريخ في محيط مستوطنات شرق قلقيلية.

عملية برية

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن الجيش يقوم «بتغيير التوازن الأمني» في شمال إسرائيل بعد الضربات على لبنان. وأضاف من خندق لسلاح الجو في وزارة الدفاع، «لقد وعدت بأننا سنغير التوازن الأمني، توازن القوى في الشمال وهذا تحديداً ما نقوم به» مضيفاً أن «إسرائيل لا تنتظر التهديد، بل تستبقه»، وحذر من «أننا على أعتاب أيام معقدة».

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يؤآف غالانت أشار إلى «مرحلة جديدة في القتال»، داعياً الإسرائيليين إلى «إظهار رباطة الجأش والتحلي بالهدوء في الأيام المقبلة». ومساء اعلنت اسرائيل عن حالة طوارئ خاصة في كافة مناطق البلاد.

ولم يستبعد متحدث عسكري إسرائيلي احتمال شن توغل بري، وقال إن إسرائيل بدأت هجوماً جوياً واسع النطاق في لبنان لكنها ستفعل ما يلزم لحماية سكانها. ونقلت صحيفة «إيكونوميست» عن مصادر عسكرية قولها إن إسرائيل تخطط لهجوم بري يشمل الاستيلاء على مناطق من بضعة أميال في عمق أراضي ⁧‫لبنان إلا أن وكالة أسوشييتد برس نقلت عن مسؤول آخر تشديده على أن التركيز حالياً منصب على العمليات الجوية وليست هناك خطط فورية لعملية برية. ونقل موقع «والاه» العبري عن قادة كبار بالجيش الإسرائيلي تأكيدهم جاهزية القوات للشروع في عملية برية.

وتصاعد النزاع بعد تأكيد إسرائيل أنها نقلت «ثقل» المعركة من الجنوب حيث قطاع غزة إلى الشمال مع حزب الله.

وتلقّى الحزب سلسلة ضربات في الأيام الأخيرة، شملت تفجير آلاف أجهزة الاتصال التي يستخدمها عناصره يومي الثلاثاء والأربعاء في عملية نسبها لإسرائيل، وغارة جوية قرب بيروت استهدفت اجتماعاً لقيادة قوات النخبة التابعة له أسفرت عن مقتل نحو 50 شخصاً بينهم قائدان عسكريين بارزان وعدد من رفاقهما، إضافة الى ضربات جوية مكثفة من سلاح الجو الإسرائيلي على أهداف في جنوب لبنان خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وأعلن الحزب استهداف مجمعات للصناعات العسكرية وقاعدة إسرائيلية قرب مدينة حيفا، في عمليات أكد أنه استخدم فيها صواريخ هي الأبعد مدى منذ بدء النزاع الحالي بينه وبين الدولة العبرية.

وخلال تشييع إبراهيم عقيل، قائد قوة الرضوان النخبوية في حزب الله الأحد، أكد نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أن التنظيم دخل في «مرحلة جديدة» من القتال مع اسرائيل، عنوانها معركة «الحساب المفتوح».

وشدد على أن التهديدات الإسرائيلية «لن توقفنا» مضيفاً «نحن مستعدون لمواجهة كل الاحتمالات العسكرية».

ووصل الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت أمس. وحسب المعلومات فقد أوصل الفرنسيون رسالة إلى المسؤولين اللبنانيين بأن تل أبيب لا ترغب بالحرب وأنه لا بد من الضغط على حزب الله للموافقة على حل دبلوماسي فوري من خلال فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة. ومن المتوقع أن يصل وفد استخباري تركي ـ قطري الى العاصمة اللبنانية سعياً للتوصل إلى حل وتجنب توسع الحرب.

ويأتي التصعيد بعد نحو أسبوع من تأكيد الحكومة الإسرائيلية أن أهداف الحرب التي تخوضها في غزة، توسعت لتشمل إعادة عشرات آلاف السكان إلى الشمال، بعد نزوحهم جراء تبادل القصف مع حزب الله خلال الأشهر الماضية. وسبق لمسؤولين في حزب الله أن أكدوا أن وقف التصعيد على جبهة لبنان هو رهن «وقف العدوان» على غزة.

وأعلن الكرملين أنه أنه «قلق للغاية». وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف «الوضع يتدهور كل يوم سريعاً. التوتر يتصاعد كذلك عدم القدرة على معرفة مسار الأمور. هذا يشعرنا بقلق للغاية».

وحضّت الصين رعاياها على مغادرة إسرائيل «في أسرع وقت ممكن». وكانت الولايات المتحدة، الحليفة الرئيسية لإسرائيل، حضّت مواطنيها على مغادرة لبنان، مؤكدة في الوقت عينه مواصلة العمل على لجم التصعيد.