مفردة «عقوق» وُضعت خصوصاً لمن يعقون أمهاتهم وآباءهم
ولهذا، ليس في كتاب خالق الأكوان أي توصية تحث الأمهات والآباء على العناية بفلذات أكبادهم، لأن طبيعة الأمومة والأبوة تحمل غريزتَي العطف والمحبة الربانية اللتين تشملان كل المخلوقات فوق الأرض.
***
لكن الله - جل وتبارك - أوصى، بل حذَّر الأبناء من أن يتأففوا أو أن يقولوا لأمهاتهم وآبائهم قولاً غير كريم، وأمرهم أن يخفضوا لهما جناح الذل من الرحمة.
***
فلماذا حرصت العناية الإلهية على توجيه خطاب التحذير للأبناء؟! لأن الله - سبحانه - يعلم ما يعتري نفوس هؤلاء الأبناء، بعد أن يشب الواحد منهم عن الطوق، فينسى أو يتناسى تلك الرحمة التي كانت تُحيطه من كل جانب يوم أن كان صغيراً.
***
وقد ترجم رسول المحبة ذلك عملياً يوم تقدَّم إليه - عليه السلام - أحدهم، شاكياً والده، الذي لم يُسدِّد له ديناً عليه، فما كان من رسول المحبة إلا أن قال للولد الشاكي: «أنت ومالك لأبيك».
***
لست هنا بصدد أن أحدثكم عن القصص التي تخر من هولها الجبال عن عقوق الذين بعثوا بأمهاتهم وآبائهم إلى مساكن كبار السن والعجزة، لأنهم ضاقوا بهم ذرعاً، ولم يتمعَّنوا في قوله تعالى: «وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً»، فالله كفيل بهؤلاء يوم الحساب.
***
أما المآسي التي يعانيها الآباء والأمهات الكبار من أبنائهم داخل البيوت، فقد يكون الحديث عنها بلا حرج، لأنها تملأ مجلدات من الامتهان للكرامة الإنسانية، وتتنافى مع أبسط المبادئ والقيم. وسبحان الله، الذي جعل من الخدم الآسيويين - غير المسلمين - أكثر شفقة على المسنين من أولادهم، بل وأحفادهم!
***
وكم أشعر بأن الدنيا لم تزل بخير عندما أجد من بين مَنْ يطوفون في بيت الله الحرام مَنْ يحمل أمه أو والده على ظهره ويطوف به أمام بيت ربه، فهنيئاً لهؤلاء، لأنهم ينفذون ما أمرهم به ربهم.