جاء الفصل الثالث عشر من الكتاب تحت عنوان: الملك عبدالعزيز وسياسته وجهوده لاستعادة حائل، والرابع عشر: الملك عبدالعزيز وتوحيد شبه الجزيرة العربية وإنشاء الدولة السعودية فيها، والخامس عشر: الدستور السعودي، والسادس عشر: المعركة الحاسمة مع الإخوان، والسابع عشر: إدارات الدولة وكيف أنشأها الملك عبدالعزيز وطورها، والثامن عشر: الاتفاق النهائي بين الملك عبدالعزيز وبريطانيا، والتاسع عشر: أسلوب الملك عبدالعزيز في تكوين أسرته الملكية، والفصل العشرون: الملك عبد العزيز من عظماء تاريخ العرب، والواحد والعشرون: الملك عبد العزيز ومصر، والثاني والعشرون: المملكة العربية السعودية بعد الملك عبدالعزيز.

الملك عبدالعزيز في العربة الملكية متجهاً إلى القصر الملكي في القاهرة يناير 1946

Ad

تكوين الأسرة الملكية

تناول الكاتب في الفصل التاسع عشر أسلوب الملك في تكوين أسرته الملكية، فقال: كان الملك عبدالعزيز عظيم التقدير للعلاقات العائلية، وكان يُضرب به المثل في طاعته لأبيه الإمام عبدالرحمن واحترامه له. وقالوا إنه كان مرة عائداً من مكة المكرمة إلى الرياض، بعد أن أدى فريضة الحج، فتوقف قبل أن يدخل الرياض في موضع يسمى مرات، وبعث يستأذن أباه في الدخول، وفي اليوم التالي مشى حتى وصل قريباً من أسوار المدينة، وهناك عرف أنه جاء قبل الموعد بخمس وأربعين دقيقة، فبعث يستأذن مرة أخرى، ثم قصد منزل أبيه وجلس ينتظر في فناء الدار، ومكث نحو عشر دقائق حتى جاء الخدام، وأخيراً أذن له والده بالدخول عليه، فدخل وقبّل رأسه، وجلس على الأرض ووالده على أريكة، وبدا الملك عبدالعزيز في مجلس أبيه في مظهر الابن المطيع له، رغم أنه كان ملك المملكة العربية السعودية التي بناها بيده.

حمل أبيه على كتفه

وذات مرة كان الملك عبدالعزيز مع أبيه في مكة، وأراد أبوه أن يزور الحرم، لكنه كان مريضاً، فحمله الملك عبدالعزيز على كتفه ودخل به الحرم وطاف به، وقد أراد بعض الخدم القيام بهذه المهمة نيابة عنه فرفض، لأنه رأى في خدمته لأبيه تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى. وعلى هذا الأساس علم أولاده، فكانوا معه كما كان هو مع أبيه، لأنه نشّأهم تنشئة عربية إسلامية، وكان يختار لكل ولد من أولاده - عندما يبدأ المشي - رائداً من خيرة رجال الحاشية يكون مسؤولاً عنه أمامه، وكان يختار له في الوقت نفسه عدداً من الصبيان من أبناء رجال الحاشية متقدمين عليه في السن بعض الشيء، ليلعب معهم ويكبر معهم، ويكونون هم في الوقت نفسه أصحابه وخدمه في المستقبل، وكان هؤلاء الرفقاء يصاحبون الأمير في صلواته وعباداته.

ماذا فعل مع أبنائه؟

وكان أنجاله يعيشون معه في القصر حتى يكبروا ويبلغوا سن الزواج، وكان يحرص على أن يتزوجوا في سن مبكرة، وكان الواحد منهم إذا تزوج انفرد بزوجته وأولاده، بعد ذلك، في قصر خاص مع خدمه ومساعديه، وكان يقدم للأولاد مرتبات متساوية تزيد كلما كبروا في السن، وثقلت مسؤوليتهم العائلية.

في مجلسه بقصر خزام بجدة في عام 1945

يوم عمل في حياته الملكية

وكان هو في عمل دائم طوال اليوم، فبعد الصلوات وأعمال التعبد في الفجر يبدأ بقراءة الرسائل والبرقيات الواردة من الداخل والخارج بنفسه، ويملي رده على كل منها بنفسه أيضاً، ثم يصلي صلاة الضحى ركعتين، ويخرج بعد ذلك إلى القصر الملكي في الساعة الثامنة والنصف صباحاً، وكان أول ما يفعله في الديوان هو قراءة ما قد يكون هناك من الرسائل ومن البرقيات، ويرد عليها ثم تُقرَأ عليه التقارير الواردة من أمراء المناطق، ويرد عليها ولا يترك رسالة منها دون رد.

ثم يأذن للراغبين في مقابلته بالدخول عليه، ويطيل الجلوس مع مشايخ القبائل وسائر الناس، ثم يدخل إليه المسؤولون في قسم التقاط الإذاعات اللاسلكية الأجنبية ويعرضون عليه النشرات الإخبارية، ويندر أن نجد رئيس دولة كان يهتم اهتمام الملك عبدالعزيز بالأنباء حتى أن المسؤول عن ذلك كان يتحدث إليه كل ساعة حاملاً آخر الأنباء، وكان آخر ما يسمعه جلالته في نهاية يوم العمل وليله هو نشرات الأخبار.

ولا يزال جلالته يعمل حتى يصلي العشاء في قصره، ويجتمع بعد ذلك مع بعض الأمراء والمستشارين اجتماعاً شبه عائلي، وقد لوحظ أنه يظل أثناء ذلك كله في غاية التنبه إلى أصغر ما يسمع، ولا يسمع خبراً له قيمة إلا علّق عليه وأصدر تعليماته فيه، وآخر ما يعمله في يومه هو الاستماع إلى النشرات العالمية وإصدار تعليماته بشأن ما يهمه منها، ثم بعد ذلك يدخل إلى جناحه في القصر قرابة منتصف الليل لينام إلى ما قبل الفجر بساعة.

الخلاصات

انتهى المؤلف إلى القول في خاتمة الكتاب ان الملك عبدالعزيز قد وحّد شبه الجزيرة العربية، وكانت فكرة التوحيد فكرته، وهو الذي تولى بناء هذه الدولة بيده قطعة قطعة، فحوّلها في هدوء من إمارة إلى سلطنة ثم إلى مملكة، وقد سار في عمله سيراً عاقلاً حكيماً، وحافظ على مبدئه الإسلامي العربي، فلم يحالف في حياته غير مسلم على مسلم.

نعم إنه تعاون مع بريطانيا وأخذ منها أموالاً وسلاحاً، ولكنه تعاون معها على أنها دولة مثل دولته، ورفض أن يتعاون معها على عربي أو مسلم، واستعمل المال لمصلحة شعبه، فهو نفسه كان رجلاً بسيطاً هادئاً متقشفاً يلبس أبسط الثياب، ويأكل الضروري من الطعام، ويعيش في بيت كبير يسميه الناس قصراً وما هو بقصر، ومن حوله قصور أولاده، وكان يعاملهم معاملة أمراء ويطلب إليهم أن يعاملوا الناس معاملة أمراء لكي يعاملهم الناس معاملة أمراء، وعاشوا على ذلك في حياته ومن بعده، وكان يصرّ على أن يقوموا بالعبادات حتى أنه كان يعاقب بالحبس مَن أهمل منهم الصلاة.

إنشاء الإدارات

وأدخل الإصلاحات الإدارية، فأنشأ إدارات المال والتعليم والأمن، وفي الوقت المناسب حوّل هذه كلها إلى وزارات.

ومن الغريب أنه عمل ذلك من تلقاء نفسه، ومن تأمل أحوال الدنيا، فلم يؤثر عنه أنه ذهب إلى الخارج لكي يطلع على نظم الحكم، وإنما كان رجلاً ذكياً يسمع ويعي ويطبق وينفذ، وكان مستشاروه الأجانب مثل جون فيلبي مجرد مستشارين فقط أي أنه كان يأخذ منهم الرأي ويفكر فيه، ولم يقل قط إنه نفذ أمراً غير إسلامي أو عربي، ولكنه أنشأ المملكة العربية السعودية، وكانت الجزيرة العربية قبله في فراغ يحكم نواحيها زعماء قبائل يستغلون الناس وينهبونهم دون أن تدور في أذهانهم أبسط أفكار الوحدة أو التقدم، وكانوا يستخدمون البدو في نهب الناس وكانوا هم أيضاً ينهبون البدو ويسرقون جمالهم ومواشيهم وخيلهم، ولهذا فقد تدنت المسؤولية لدى رجال البادية، وقلّ عندهم الوازع الديني، فأصبحوا يقتلون ويسرقون ويعتدون على الناس دون أن تتأثر قلوبهم.

فلما جاء الملك عبدالعزيز حرص أولاً على إزالة الأمراء السابقين من السلطة وجعلهم أتباعاً له، وفي معظم الأحيان كان يأخذ الأسرة كلها إلى الرياض، ويغدق عليها المال فيصبح أعداء الأمس أصدقاء اليوم وأتباع البيت السعودي.

جلالته في صورة تاريخية مع الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت على ظهر طراد في البحيرات المرة بقناة السويس 15 فبراير 1945.

لكل أمير مربٍّ خاص

توفي الملك عبدالعزيز في الساعة الرابعة والنصف من صباح يوم الاثنين 2 ربيع الأول عام 1373هـ، 9 نوفمبر 1953م بعد مرض لم يمهله أكثر من شهر، وكان عمره يوم انتقل الى جوار ربه ثمانين سنة.

وقد كان رحمه الله أولى عنايته البالغة بتربية أبنائه تربية عربية اسلامية وملوكية أيضا، لأنه كان يعرف أنهم سيرثون عنه مسؤولية المملكة، وبلغ به الأمر أنه خصص لكل أمير مربياً يرعاه ويوجهه توجيهاً إسلامياً، وكان يأمر بسجن مَن يهمل الصلاة عامداً من أبنائه، فنشأ أولاده على مبادئه، وعرفوا كيف يسيرون بالمملكة في الطريق التي رسمها له ومازالت على هذا الطريق.

الكاتب عندما كان في الكويت

عمل الدكتور حسين مؤنس أستاذاً ورئيساً لقسم التاريخ في جامعة الكويت بين عامي 1971 و1977، وكان يكتب مقالاته في جريدة «القبس» في تلك الفترة، وتوفاه الله في مارس 1996، وكان يجيد أربع لغات اجنبية، وله العديد من المؤلفات أشهرها كتابه الجامع «فجر الأندلس».

قبل وفاة المؤلف وبعدها

قبل أن يتوفاه الله أهدى الدكتور حسين مؤنس الكتاب الى الملك سلمان بن عبدالعزيز عندما كان أميراً لمنطقة الرياض.

أما الدكتور محمد بن سليمان الخضيري أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة الإمام محمد بن سعود فقد أعاد ترتيب الكتاب ومراجعته، واستفاد من الملاحظات التي أبدتها دار الملك عبدالعزيز، لذلك حاول الجمع بين روح الكتاب ومعلوماته، كما أراد المؤلف، وبين التعديلات التي أُدخلت عليه.