خلال طفولتنا يصر الآباء والأجداد على تعويدنا قول الصدق، ولو كلفنا ذلك المال والجهد والعقاب، ويقولون لنا مراراً وتكراراً إن الرجل لا يكذب مهما كانت قيمة المكاسب التي يجنيها الإنسان من وراء هذا الكذب! كما حذَّرنا الآباء والأجداد من النفاق وخفض الرأس إلا لله، عز وجل، وللوالدين، حيث عوَّدونا على عزة النفس وقول الحق بأدب واحترام وتقدير مهما علا مركز أو سُلطة وسطوة الإنسان الذي أمامنا.

عشنا هذه القيم، وتمَّت تربيتنا عليها منذ الصغر بالحي والمدينة التي نسكن فيها، قيم نُقشت فينا منذ الصغر، واستمر تمسُّكنا بها في الكبر.

Ad

لم يعلم الآباء والأجداد أن المستقبل سيكون مختلفاً عن زمنهم، وأن قيم الصدق ستكون هي السبب الذي يعوق سعينا نحو حياة أفضل بالمستقبل! وأن النفاق هو السلعة الناجحة حالياً ومستقبلاً! لم يدر في خلد الآباء والأجداد أن النفاق سيخلق لك ألف صديق وحبيب، وأن الصدق سيبعدك عن الأخ والحبيب والقريب! لأنهم عاشوا في زمن الرجال الشرفاء الصادقين الذين يمقتون الكذب والنفاق، ولم يعلموا أننا سنعيش في زمن يعاني فيه الصادق والشريف، في الزمن الرديء الذي يسود فيه المنافق والوضيع!

رحمكم الله أيها الآباء والأجداد، فقد كانت قيمكم وأخلاقكم عالية، لأنكم عشتم في زمن الرجال الشرفاء الصادقين، ولم يخطر ببالكم أن يعيش أبناؤكم وأحفادكم في زمن المنافقين والإمعات وماسحي الجوخ! لقد أعددتم- رحمكم الله، وغفر لكم- رجالاً صادقين في زمن أصبح الصدق عائقاً يحول دون نجاحهم بالحياة. ودمتم سالمين.