شهد العالم في السنوات الأخيرة عدداً من التجارب العلمية المثيرة للجدل، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا الحيوية، والذكاء الاصطناعي، وتغير المناخ، وقد لامست هذه التجارب جوانب حساسة تتعلق بالقانون والأخلاق والتداعيات المحتملة على الحياة البشرية، بما يذكّر بالجدل الواسع الذي أعقب محاولة «الاستنساخ البشري» باستخدام تقنية النقل النووي على أثر النجاح في تجربة استنساخ النعجة «دوللي» التي ولدت بتاريخ 5/7/1996 ونفقت بتاريخ 14/2/2003.

ولعلّ أبرز هذه التجارب وأكثرها التصاقاً بالحياة البشرية، ما كشفه العالم الصيني «هيه جيانكوي» عام 2018، بشأن نجاحه في تعديل الحمض النووي لأجنة بشرية بهدف إكسابها مناعة ضد الفيروس المسبب لمتلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، وذلك باستخدام تقنية CRISPR-Cas9 التي تُعتبر واحدة من أهم الابتكارات في مجال الهندسة الوراثية، وهي تقوم ببساطة على فكرة تعديل الحمض النووي «الجين» المسؤول عن تكوين بروتينات معينة والتلاعب بمسار الفيروسات.

Ad

وعلى الرغم من أن الفكرة العلمية في حد ذاتها تحمل آمالاً كبيرة في مضمار مكافحة الأمراض الوراثية والمعدية، فإن تطبيقها على البشر لا يزال محفوفاً بالمخاطر وغير مفهوم العواقب تماماً، إذ من الممكن أن يؤدي الجموح فيه الى «تصميم» فئات من البشر يحملون جينات مميزة ومختلفة ويتمتعون بقدرات عقلية وجسدية خارقة وغير طبيعية، ناهيك عن الخشية من مخاطر طويلة المدى على الصحة البشرية بما يشمل ظهور أمراض جديدة أو تأثيرات غير مقصودة على الجينات الأخرى.

ورغم الخشية من هذا النمط من الابتكارات العلمية والجدل الذي يرافقها، كشف في عام 2021 عن تجربة زرع قلب خنزير معدل وراثياً في جسم إنسان لأول مرة، حيث تمكّن العلماء من تعديل جينات الخنازير بحيث لا يتم رفض أعضائها من جهاز المناعة البشري، وهو ما يمثل ثورة في مجال زراعة الأعضاء، فأدت الجهود المتعاقبة والدقيقة الى نجاح العلماء بتصنيع أعضاء معقدة مثل القلوب الصغيرة وأجزاء من الكلى وزرعها في الأجساد البشرية، مما قد يمهّد الطريق لإنتاج أعضاء بشرية كاملة يمكن استخدامها في عمليات الزرع! ومما لا شك فيه أن نجاح هذه الأبحاث يثير تساؤلات حول الآثار الأخلاقية لإنتاج «أعضاء بشرية» في المختبرات مع الخشية من فتح الباب أمام استنساخ البشر أو إنتاج كائنات حية جديدة من صنع الإنسان، «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ».

وقد زاد تطور الذكاء الاصطناعي الأمر تعقيداً، فتم الكشف في عام 2023 عن تجارب «التوءم الرقمي» للأجسام البشرية، وهو نموذج افتراضي يعكس الجسم البشري بدقة، بما في ذلك الأعضاء والأنسجة، وقد استخدم هذا التوءم الرقمي لأغراض طبية مثل التنبؤ بالاستجابة للعلاجات أو محاكاة الجراحة قبل تنفيذها على المريض الفعلي.

وعلى الرغم من الفوائد المحتملة لهذه التقنية في تحسين الرعاية الصحية، ثار القلق بشأن احترام الخصوصية وإمكانية إساءة استخدام هذه البيانات الصحية الحساسة، أما المعضلة الأخلاقية الأكبر فتتعلق بما إذا كان التوءم الرقمي يمكن أن يكون أكثر من مجرد أداة طبية، وهل يمكن أن تُستخدم هذه التقنيات لتغيير أو تحسين قدرات البشر بطرق غير متوقعة؟!

وفي سياق مرتبط، كشف في العام نفسه عن أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على توليد أفكار معقدة وحل مشكلات تتطلب تفكيراً منطقياً يحاكي تفكير البشر، وقد طرح هذا التطور عدداً من التساؤلات حول حدود الذكاء الاصطناعي وما إذا كان يجب على المجتمع التحكم في تطويره قبل أن يؤثر سلباً في سوق العمل وفي زيادة التفاوت الاجتماعي مع وجود مخاطر جديّة حول تصرفاته غير المتوقعة أو الخارجة عن السيطرة.

من ناحية أخرى حاول العلماء من خلال أبحاث التحكم في المناخ أو الهندسة الجيولوجية إيجاد حلول للتحكم في التغيرات المناخية من خلال تعديل الغلاف الجوي، وكانت إحدى أكثر الأفكار إثارة للجدل هي «حقن» جسيمات في الغلاف الجوي لتبريد الأرض وتقليل تأثير الاحتباس الحراري، وقد لاقت هذه التجارب ردود فعل سلبية من مجموعات بيئية تنظر إلى هذه التقنيات على أنها حلول قصيرة الأمد قد يكون لها تداعيات غير متوقعة على المناخ العالمي وقد تؤدي الى إحداث تغييرات في أنماط الطقس مما يسبب كوارث بيئية وطبيعية مدمّرة ومحتملة.

خلاصة القول أن التجارب العلمية الحديثة، خصوصا تلك المتعلقة بتغيير المسار الطبيعي لما عهده البشر والطبيعة، تفتح آفاقاً جديدة للبشرية، لكنها تأتي أيضاً بتحديات أخلاقية وقانونية هائلة، فالجدل حول هذه التجارب يعكس المخاوف بشأن حدود التدخل البشري في الطبيعة، وما إذا كان الإنسان مستعدًا لتحمل عواقب استخدامه لهذه التكنولوجيا من غير ضوابط ومع نتائج غير متوقعة!

ومما لا شك فيه أن التقدم العلمي السريع يحتاج إلى تأطير قانوني وأخلاقي لضمان الاستفادة من هذه التقنيات بشكل آمن ومسؤول، فالأمر يتطلب توازناً دقيقاً بين تحقيق التقدم العلمي وضمان احترام المبادئ الأخلاقية، ولا سيما في مجالات تعديل الجينات البشرية، خصوصًا في الأجنة، مما يثير العديد من التساؤلات حول حق الإنسان في تغيير الطبيعة البيولوجية للأجيال المستقبلية!

ولعلّ هذا ما يفسّر ما تم تسريبه عن الموقف الرسمي الصيني من تجربة «هيه جيانكوي» الخاصة بتعديل الجينات البشرية، حيث نفت الحكومة الصينية معرفتها بالتجربة قبل إعلان صاحبها عنها، وسارعت إلى إدانة أفعاله وأفادت التقارير بالحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة ممارسة الطب بشكل غير قانوني وانتهاك القوانين المعنية بالأبحاث الجينية.

* كاتب ومستشار قانوني