عاش لبنان أمس يوماً ثانياً من المآسي، غداة إطلاق إسرائيل عملية «أسهم الشمال» العسكرية ضد «حزب الله». ومع استمرار الغارات الإسرائيلية على منطقتي الجنوب والبقاع حيث يوجد الحزب، ارتفعت حصيلة القتلى إلى 558، معظمهم من المدنيين، في حين تواصل نزوح عشرات الآلاف من منازلهم، وامتد ذلك إلى سورية التي عبر إليها آلاف الفارين في الساعات الأخيرة.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، إن بلاده ستواصل ضرب «حزب الله»، بعد ساعات من اعتبار رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، أن الحزب يجب ألا يحظى بفاصل من الهدوء، وأن الهجمات على الجماعة المدعومة من إيران سيجري تعجيلها وتكثيفها.

Ad

وذكر مسؤول أمني إسرائيلي كبير لوسائل إعلام، أنه إذا لم يُفضِ المسار السياسي لإعادة سكان الشمال، الذين فروا من عمليات «حزب الله» المساندة لغزة، فستدرس إسرائيل تنفيذ عملية برية.

وفي بيروت، أفادت مصادر أن «حزب الله» يعتقد أن استراتيجية تل أبيب هي توسيع موجة الأهداف والضربات وتشكيل ضغط كبير عليه لدفعه إلى التراجع عن ربط جبهة لبنان بجبهة غزة، وفي موازاة ذلك يتم التفاوض معه على وقف النار، وإذا لم يوافق فإن الموجات ستتجدد وستتسع.

وسلط تصريح للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الضوء على نية إسرائيل تهجير أكبر عدد من اللبنانيين، ربما في محاولة لإجراء مقايضة بين هؤلاء مع سكان الشمال.

وقال أدرعي على موقع «اكس»: «أؤكد وأحذر السكان اللبنانيين الذين غادروا وابتعدوا عن المنشآت والمنازل التي احتوت أو لا تزال تحتوي على أسلحة. لا ترجعوا إليها. إنها أماكن خطيرة قد تنفجر فيها المتفجرات، وقد تُقصَف لاحقاً من جديد».

وبعد نفي «حزب الله» أمس الأول مقتل الرجل الثالث في قيادته العسكرية علي كركي، الذي قالت تل أبيب إنها استهدفته بغارة على الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الحزب، شنت إسرائيل أمس غارة على منطقة الغبيري في الضاحية قُتل فيها رئيس المنظومة الصاروخية للحزب إبراهيم قبيسي.

وأوضح مصدر أمني إسرائيلي لوسائل إعلام عبرية، أن القبيسي تمت ترقيته قبل أيام فقط بسبب الاغتيالات في صفوف كوادر الحزب، وأنه كان تحت الإشراف المباشر للأمين العام للحزب حسن نصرالله.

وفي توسيع لاستهدافاته أعلن «حزب الله» شن هجمات صاروخية على أكثر من 10 قواعد ومنشآت عسكرية إسرائيلية، شملت مصنع متفجرات في منطقة زخرون على بعد 60 كيلومتراً داخل إسرائيل، وقاعدة شمشمون التي قال إنه استخدم لضربها صواريخ «فادي 3» التي لم تُستخدَم من قبل.

من جهته، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيرش في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة من أن «لبنان على حافة الهاوية»، في وقت أعربت وزارة الخارجية الكويتية، عن «إدانة واستنكار الكويت الشديدين للغارات الجوية والعمليات العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الجمهورية اللبنانية الشقيقة»، مؤكدة «تضامن الكويت ووقوفها إلى جانب الجمهورية اللبنانية الشقيقة رافضة كل ما من شأنه المساس بسيادتها واستقرارها».

وبينما أجرى المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، لقاءات في بيروت، لم تحقق أي اختراقات، مع قائد الجيش جوزف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أشارت مصادر إلى أنه من ضمن المساعي الدبلوماسية لإيجاد حل يمنع الانزلاق نحو مزيد من توسع الحرب، اجتماعات كثيفة تعقد في نيويورك واتصالات متعددة تجري مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين لوضع صيغة جديدة لتطبيق القرار 1701، واعتماد نصّ جديد يتم إرفاقه بالقرار الدولي كملحق.

في سياق متصل، علمت «الجريدة» أن تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وفريقه للسياسة الخارجية في نيويورك، والتي أثارت حفيظة بعض الأوساط المقربة من «حزب الله»، نوقشت في اجتماع عاصف في مكتب المرشد الأعلي علي خامنئي.

وقال مصدر مطلع في مكتب خامنئي لـ «الجريدة»، إن قادة الحرس الثوري وجّهوا، خلال الاجتماع، انتقادات لاذعة وشتائم لبزشكيان ومساعده للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، ووزير خارجيته عباس عراقجي.

وكان بزشكيان تحدث، أمس الأول، عن رغبة طهران في تحقيق السلام الإقليمي، في وقت كانت إسرائيل تقصف «حزب الله» في لبنان، بينما قال عراقجي إن فريقه مستعد لإجراء اجتماع تفاوضي في نيويورك حول الملف النووي في حال وافقت واشنطن على ذلك.

وفي تصريحات على «سي ان ان» قال بزشكيان أمس، إن «حزب الله» لا يمكنه مواجهة إسرائيل بمفرده، وإن الحوثيين لا يستمعون إلى طهران، وهي لهجة غير معهودة من المسؤولين الإيرانيين.

وأشار المصدر إلى أنه رغم التصعيد الإسرائيلي في لبنان لا يزال بزشكيان يضغط لعدم دخول إيران في الحرب وعدم اللجوء إلى أي خطوة قد تعتبر استفزازية من واشنطن، في حين يصر قادة «الحرس» على ضرورة تصعيد كل الجبهات ضد إسرائيل والتسبب في حرب كبرى، تفرض عليها تسوية تناسب حلفاء إيران في لبنان وغزة.

وذكر أن نائب الرئيس محمد رضا عارف أحبط دعوات «الحرس» للتصعيد بحديثه عن بوادر في نيويورك لإيجاد صيغة لاستئناف المفاوضات النووية، وبالتالي رفع العقوبات عن إيران، وأن أي تحرك إيراني غير محسوب يمكن أن يجهض المبادرة في المهد.

وأكد أن خامنئي طلب من «الحرس» الاستعداد ميدانياً لتنفيذ خطتهم، لكنه شدد على ضرورة انتظار عودة بزشكيان إلى طهران للاستماع منه عن حقيقة التحركات في نيويورك.